Q ما حكم القول بأن من الصحابة مرجئة بسبب موقفهم من الفتنة التي وقعت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وإن كان إرجاؤهم من جهة اللغة، وهل المرجئة ظهرت في الصدر الأول كما يقول بعضهم؟
صلى الله عليه وسلم المرجئة من حيث الإطلاق التاريخي تطلق على ثلاثة أصناف: الصنف الأول: الذين توقفوا في أمر المختلفين بعد الفتنة التي تلت قتل عثمان رضي الله عنه؛ فإن هناك من الناس من توقف في أمر الفريقين الذين حصل بينهم نزاع بعد مقتل عثمان، وهذا التوقف على درجات، منهم من توقف في أن يحكم عليهم في الدنيا من هو المخطئ ومن هو المصيب، ومنهم من زاد وتوقف في الحكم عليهم في الآخرة، وعلى أي حال هذا إرجاء تجاوزه الزمن ولم يعد له وجود، إلا عند بعض طوائف أهل الأهواء، ولم يقل به أحد من الأئمة المعتبرين.
كما أنه لم يعد يطلق في الاصطلاح، فالاصطلاح يطلق على الإرجاء الذي هو النوع الذي ظهر بعد ذلك، وهو إرجاء الأعمال عن الإيمان، أي: إخراج الأعمال من مسمى الإيمان، وهذا يسمى إرجاء الفقهاء.
ونوع ثالث هو إرجاء الجهمية، وهم الذين يقولون بأن الإيمان هو المعرفة فقط، وأن من عرف الله كفاه ذلك، فلا ينفعه زيادة عمل ولا يضره العصيان، إنما مجرد المعرفة بالله تكفيه وتكون طريقاً للنجاة.
فالإرجاء الأول والإرجاء الثاني لم يعد لهما شهرة، وصار الاصطلاح الغالب أن إرجاء الفقهاء هو القول بأن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وأن الأعمال لا تزيد ولا تنقص، وأنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان.
أما الإرجاء الأول: فإنه لم يكن واضحاً أولاً، بمعنى أنه فيه اضطراب في النقل، ثم إنه لم ينسب إلى أحد من المعتبرين، إنما نسب إلى طائفة من الذين توقفوا وليس لهم اعتبار في الدين، إما أئمة الدين من الصحابة الذين حصلت في عهدهم الفتنة، وكذلك كبار التابعين فإنهم لم يستقروا على عقيدة تسمى الإرجاء، إنما استقر قولهم آخر الأمر بعد تمحيص الأخبار على أن المقتتلين أو الذين تنازعوا بعد عثمان رضي الله عنه من الصحابة وغيرهم كلهم مجتهدون، وكلهم مأجورون، وأن الفئة الأقرب إلى الحق هي التي كانت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالجملة، والفئة الأخرى مخطئة لكنها لا تفسق بذلك؛ لأنها مجتهدة، ولأنها مأجورة، هذا ما انتهى إليه السلف آخر الأمر، ولم يعد هناك قول ثانٍ يعتد به.