قال رحمه الله تعالى: [وقد نزه الله تعالى نفسه عما يصفه به العباد إلا ما وصفه به المرسلون بقوله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182]].
تجري على ألسنة الناس ألفاظ في أسماء الله وصفاته لم ترد في الكتاب والسنة، وقوله: [وقد نزه الله تعالى نفسه عما يصفه به العباد] يعني: من الأقوال التي لا تصح، أو التي هي عبارة عن مقولات إما متوهمة وإما فيها قدح في أسماء الله وصفاته تعالى الله عما يصفه به المبطلون ذوي الأوصاف الخبيثة، فهناك من العباد من وصف الله بأوصاف قبيحة، كالمشركين، فالمشركون وصفوا الله بأوصاف قبيحة، وكذلك اليهود وصفوا الله بالعيوب تعالى الله عما يزعمون، فقد وصفوه باللغوب، وهو التعب، ووصفوه بالعجز ووصفوه بالبخل، بل إنهم يجسمون الله تعالى الله عما يزعمون، فالله نزه نفسه عما يصفه به هؤلاء العباد، وهناك نوع آخر من الوصف قد لا يكون قدحاً مباشراً، لكنه كلام عن الله بغير علم، وهو أخطر على الأمة من الأول؛ لأن النوع الأول لا يقول به إلا مبطل، وتنفر منه الطباع السليمة، ولا يمكن أن يقبله أحد من المؤمنين، لكن النوع الثاني -وهو الكلام عن أسماء الله وصفاته بما لم يرد في الكتاب والسنة بدعوى التنزيه- هو الذي أشكل وأوقع الأمة في الحرج، فأوقع طوائف من الأمة في الخروج عن السنة والابتداع والقول بعلم الكلام الذي شغل المسلمين عن الهدى والحق، وستأتي أمثلة لهذا وسنتكلم عنه على التفصيل، ولعلي هنا أورد ما يتبين به المراد، فأقول: إن قوله: [عما يصفه به العباد] على نوعين: الأول: الأوصاف القبيحة التي وصفه بها المشركون واليهود والمشبهة ونحوهم، وهذه معلومة والنفور منها عند جميع الخلق معلوم، وهناك نوع آخر، وهو الكلام في الله سبحانه وتعالى وفي أسمائه وصفاته بأمور قد يقصد بها التنزيه لكنها متخيلة وليست على الحقيقة، ثم إنها مبتدعة، كقول المتكلمين عن الله تعالى: إنه ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر ولا مباين ولا محايث ولا فوق ولا تحت ولا بحد ولا يتكلم إلى آخر ذلك من المعاني التي هي أشبه بوصف المعدوم كما سيأتي، فهذا سوء أدب مع الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى يوصف بما وصف نفسه، والله وصف به نفسه وله تعالى من الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة ما يتضمن كل كمال.
وهذا هو قول الأئمة، وليس من عندي، ولكن أكرره ليتبين خطأ المتكلمين الذين قالوا على الله بغير علم.
أقول: إن أهل العلم أجمعوا على أن ما في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء الكمال له تعالى ومن أوصاف الكمال له تعالى يغني عن كل ما يمكن أن يتلفظ به بشر بأي لغة، ويغني عما يمكن أن يتصوره البشر بأي خيال، فكل كمال يمكن أن يتصوره أحد ويتكلم فيه أحد ففي القرآن والسنة ما يغني عنه، فأسماء الله العظمى -الله، الحي، القيوم، الرحمن، الرحيم، العلي، العظيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر سبحانه- أسماؤه هذه أعظم من أن يأتي البشر بأكبر منها، بل لله من الأسماء والصفات ما لا يطيقه البشر في الدنيا، حجبه الله بعلم الغيب عنده، ولذلك يدعو النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ربه بمحامد من أسماء لله وصفاته؛ لأنه أفضل الخلق، فيعرف لله في ذلك الوقت من المحامد ما يلهمه الله إياه ولم يكن يعرفه في دنياه، وهذا يدل على أن الله له من العظمة والكمال والجلال ما لا يمكن أن يخطر بخيال بشر، وأن أسماء الله وصفاته التي وردت في الكتاب والسنة تجمع كل كمال يمكن أن يتخيله البشر، فمن هنا كان ما يصفه به العباد من غير ما ورد في الكتاب والسنة رجماً بالغيب؛ لأن الله ليس كمثله شيء سبحانه.
قال رحمه الله تعالى: [وقد نزه الله تعالى نفسه عما يصفه به العباد إلا ما وصفه به المرسلون بقوله: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182] فنزه نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون، ثم سلم على المرسلين، لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب، ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد].
إذا أردنا أن نعرف مدى خطأ المتكلمين الذين تكلموا بتلك الصفات بغير حق على نحو يدركه الإنسان بعقله وفطرته؛ فإنا سنقارن بين أقوالهم وما أخبر الله تعالى به عن نفسه، فالمتكلمون قالوا بأن الله ليس بجسم ولا بعرض ولا بجوهر، فلو أنهم اكتفوا بقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 3] ألا يكون هذا أكمل من كلامهم وأوفى وأسلم وأعظم وأسمى وأجل؟! هذه مقارنة يسيرة، فلم