قال رحمه الله تعالى: [وأما ما كان خبراً -كالإخبار عن الله واليوم الآخر- فهذا لا يعلم تأويله الذي هو حقيقته؛ إذ كانت لا تعلم بمجرد الإخبار؛ فإن المخبر إن لم يكن قد تصور المخبر به أو ما يعرفه قبل ذلك؛ لم يعرف حقيقته التي هي تأويله بمجرد الإخبار، وهذا هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، لكن لا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي العلم بالمعنى الذي قصد المخاطب إفهام المخاطب إياه، فما في القرآن آية إلا وقد أمر الله بتدبرها، وما أنزل آية إلا وهو يحب أن يعلم ما عنى بها، وإن كان من تأويله ما لا يعلمه إلا الله، فهذا هو معنى التأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف، وسواء كان هذا التأويل موافقاً للظاهر أو مخالفاً له، والتأويل في كلام كثير من المفسرين كـ ابن جرير ونحوه يريدون به تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالف، وهذا اصطلاح معروف، وهذا التأويل كالتفسير يحمد حقه ويرد باطله].
لعلنا نقف بعض الوقفات عند هذا المقطع، فقوله: (لا يعلم تأويله الذي هو حقيقته) يعني: الإخبار عن اليوم الآخر، ويقصد بالحقيقة الكيفية؛ لأنه كثيراً ما يلتبس مفهوم الحقيقة عند الناس، فالمنفي هنا هو الكيفية، فالذي لا يعلم تأويله من أخبار اليوم الآخر وأخبار الصفات وأخبار الغيب هو الكيفيات.
أما الحقيقة التي هي إثبات المعنى؛ فهذا أمر يجب أن يقال به، وإلا فستكون ألفاظ الشرع جوفاء لا معنى لها، فإذا قيل: إن لفظ الشرع لا تفهم حقيقته أو لا نؤمن بحقيقته؛ فكأنا جعلنا ألفاظ الشرع جوفاء لا معنى لها، لكن المنفي هنا حقيقة الكيفية لا حقيقة المعنى، فكلام الله له حقيقة وهي المعاني، وكلام الله له معان وهي الحقيقة، لكن المنفي هو الكيفية، وهذا ما يقصده المؤلف هنا، لذلك احترز بقوله: [لكن لا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي العلم بالمعنى]، وهذا هو الكلام الصحيح، فالعلم بالمعنى معلوم، فقوله عز وجل عن اليوم الآخر وأخباره وتفصيله له معانٍ، وإخباره عن الصراط والميزان والحوض، وإخباره عن الاستواء، وغير ذلك، كله لابد من أن يكون له معان؛ لئلا نعطل ألفاظ كلام الله من المعنى الذي يجب، لكن حقائق الكيفيات هي التي لا نعلمها.