الثالث من وجوه التفريط: الابتداع؛ لأن الابتداع لا يحدث إلا بتفريط في سنة، وهذه قاعدة قررها أهل العلم، بل هي مبنية على أحاديث صحيحة؛ لأن الناس لا يعملون بدعة إلا ويتركون سنة، ولا يتركون سنة إلا ويعملون بدعة، وهذه قاعدة مطردة؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الشرع يناسب أحوال البشر، يناسب قلوبهم ويناسب جوارحهم ويناسب أوقاتهم ويناسب حياتهم كلها، بمعنى أن الشرع فصل لحياة البشر جميعاً بمختلف أشكالها وأنماطها، فإذا ترك الناس سنة احتاجوا إلى بدعة، وإذا ابتدعوا بدعة استغنوا عن سنة، وهذه قاعدة مطردة ولا بد؛ لأن هذه البدعة إما أن تشغل قلب الإنسان أو تشغل جوارحه أو تشغل القلب والجوارح، والله سبحانه وتعالى وضع من الهدى ما يشغل القلب بالخير ويسعده، ووضع من الهدى ما يشغل الجوارح بالخير ويسعدها، فإذا ابتدع الناس بدعة نزعت منهم سنة؛ لأن هدي الإسلام كالنسيج المحكم تماماً إذا رفعت منه خيطاً اختل بعض النسيج، وإذا أضفت له خيطاً زائداً اختل النسيج، فكذا البدع تفعل بالسنة وتفعل بالناس، فالناس إذا ابتدعوا بدعة فلا بد من أن تنتزع منهم سنة من وجه آخر، سواء أكانت البدعة قلبية أم كانت عملية، وكذلك إذا تركوا سنة فلا بد من أن ينشغلوا ببدعة بمجموعهم وليس بأفرادهم، فقد لا ينطبق ذلك على بعض الأفراد، أما المجموع فلا بد من أن يكون هذا هو حالهم.