خطر الانحراف في التلقي لأمور الدين

قال رحمه الله تعالى: [فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره، وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم وأعرض عن أمره وخبره، وإلا حرفه عن مواضعه وسمى تحريفه تأويلاً وحملاً، فقال: نؤوله ونحمله].

هذا الانحراف في التلقي نجده واضحاً في كثير من الأمة، والانحراف في التلقي هو أخذ الدين عن غير الرسول صلى الله عليه وسلم والتسليم لغيره عليه الصلاة والسلام، أو الرجوع عند التنازع إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا نجده واضحاً في عدة طوائف من الأمة، أولها: الفرق عموماً ابتداء من الخوارج والرافضة الشيعة، والشيعة الأوائل انقرضوا، وما بقي إلا الرافضة ومن تفرع عنهم، وكذلك القدرية والمرجئة والمعتزلة والجهمية والمشبهة والجبرية وأهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية ثم الفلاسفة والباطنية، كل هؤلاء وإن سلم بعضهم بالمبدأ بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله إلا أنهم عند التنفيذ وعند تلقي الدين أو الأخذ به أو العمل به نجدهم يتلقونه ممن هو دون الرسول صلى الله عليه وسلم بغير هدى ولا بصيرة، وفي الآونة الأخيرة ظهرت نزعات جديدة تميل إلى هذا الاتجاه، وهي رجوع أصحاب الشعارات إلى شيوخهم وإلى رءوسهم وقاداتهم.

وأقصد بالشعارات الشعارات التي ينضوي تحت لوائها جماعة من الناس، تضع لنفسها مناهج وتضع لنفسها أصولاً تعقد عليها الولاء والبراء وتحكمها عند الخلاف وترجع إليها في بعض أمور دينها أو في أمور الدعوة ونحو ذلك، فهذه الشعارات واللواءات أيضاً وقعت فيما وقع فيه الأولون، فإذا جاء الخبر عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم أرجعوه إلى أصولهم، فإن وافق أصولهم أخذوا به وإن خالف أصولهم سوغوا لمخالفته بتأول أو بتفسير شاذ أو باحتجاج بواقع أو بقول شيخ أو نحو ذلك.

كما أن هناك طائفة ثالثة وقعت، لكنها أخف من غيرها، وهي متعصبة المذاهب، فمتعصبة المذاهب وقعوا في التلقي عمن دون الرسول صلى الله عليه وسلم والتحاكم إليه مع تسليمهم للمبدأ، فمتعصبة المذاهب أحياناً يأتيهم الدليل الذي يخالف مذهبهم ويثبت أنه صحيح وأنه غير منسوخ إلى آخر ذلك من القواعد المعروفة في ثبوت الدليل وثبوت دلالته، ثم يعرضون عنه، ويقولون: هذا لا يمشي مع القاعدة التي قال بها فلان، وأحياناً ينسبون القاعدة إلى إمام من أئمة الدين الذين لا يرضون هذا الأسلوب، كالإمام أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد.

ولذلك وجد في شواذ المذاهب ما يخالف الإسلام أصلاً، وسبب ذلك أن طائفة من متأخري أتباع المذاهب حكموا القواعد ولم يحكموا النصوص أحياناً، وعلى سبيل المثال وليس على سبيل القدح أذكر مثالاً لطائفة وهو مثال واضح من أوضح الأمثلة، وقد يوجد نحوه في كل مذهب، لكن أجده في أحد المذاهب واضحاً جداً، خاصة من بعض المنتسبين إلى هذا المذهب المتعصبين له، وهو مذهب الأحناف، والمذهب الحنفي من مذاهب أهل السنة وفي أتباعه وفي شيوخه خير كثير، وكثير منهم من أئمة الإسلام، لكن وجد عند المتأخرين تعصب شديد، فالمثال هو وجود طائفة منهم الآن نراهم في الحرم وفي غيره لا يتمون الركوع أبداً، بل ركوعهم كبعض الرافضة إذا رفع رأسه من الركوع لا يكاد يتم الرفع، مجرد إشارة إلى فوق ثم يهوي ويسجد، فلا يقول: سمع الله لمن حمده، ولا يستكمل الدعاء ولا يعتدل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا رجعنا إلى أصل هذا العمل وجدناه يرجع إلى قواعد في المذهب الحنفي، ولا يرجع إلى نص شرعي صحيح؛ والصلاة من أعظم شعائر الدين التي تواتر نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا يمكن لأحد أن يخفى عليه شيء من واجباتها وأركانها، فالصلاة من أعظم شعائر الإسلام التي بقيت كما كانت في المسلمين إلى اليوم إلا من حرف وبدل، فهذا مثال لمتعصبي المذاهب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015