قال رحمه الله تعالى: [وهذا القول الذي قاله القاضي عياض رحمه الله هو الحق؛ فإن الرؤية في الدنيا ممكنة، إذ لو لم تكن ممكنة لما سألها موسى عليه السلام، لكن لم يرد نص بأنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين رأسه].
الإشارة إلى الإمكان كثيراً ما تأتي في المسائل التي جرى فيها الخلاف، خاصة المسائل التي جر المتكلمون أهل السنة إلى الكلام فيها، أي: المسائل التي دخل فيها النظر العقلي.
وبعض الناس يظن أن الإمكان معناه: جوازه أو وقوعه، فإذا قال أحد العلماء: إن رؤية الله عز وجل في الدنيا ممكنة، فقد يفهم بعض الناس أنها واقعة.
وليس هذا هو المقصود، بل المقصود الإمكان عقلاً، أي يتصور عقلاً أن الله عز وجل يقدر عباده على أن يروه، لكنه ما أقدرهم، هذا معنى: ممكن، وليس معنى (ممكن) أنه محتمل أن تقع، فلا يمكن أن تقع؛ لأن الله عز وجل قدر ألا تقع الرؤية جزماً، وليس عند السلف في هذا شك، وهو اتفاق بين السلف، فالإجماع قائم على أنه لا أحد يرى ربه بعين رأسه في الدنيا، إنما الرؤية بالعين في الآخرة، لكن عندما يقولون: (ممكن) كما قالوا في الرؤية، وكما قالوا في غيرها؛ فإنهم يقصدون بالإمكان: التقدير العقلي، أي: ليس هناك ما يمنع أن يرى الناس ربهم في الدنيا لو أن الله أقدرهم على ذلك.
وهذه المسألة ما دامت معلقة بقدرة الله عز وجل فهي ليست محل جدال، ولا ينبغي أن تكون محل جدال، لكن السلف ابتلوا باستعمال عبارات المتكلمين، مثل: الممكن والجائز، والواجب إلى آخره، والتي يقصد بها مفاهيم غير مفاهيمها الشرعية، فاضطروا إلى استعمالها دفعاً لشبهات المتكلمين.