قال رحمه الله تعالى: [وكيف تعلم أصول دين الإسلام من غير كتاب الله وسنة رسوله؟!].
يشير بذلك إلى أن الذين أنكروا الرؤية لم يكن إنكارهم يعتمد على أدلة من الكتاب والسنة، بل كانت أصولهم معارضة للكتاب والسنة، والذين تولوا كبرهم في ذلك هم الجهمية والمعتزلة، فالجهمية والمعتزلة مصادر التلقي عندهم تتميز بما يأتي: أولاً: لا تنحصر في الكتاب والسنة.
ثانياً: لا يقدمون فيها الكتاب والسنة على المصادر الأخرى، بمعنى أنهم حينما ضلوا فأشربوا قواعد عقلانية قرروا بها العقيدة ووقعوا أيضاً في تقديم هذه القواعد على الكتاب والسنة وتحكيمها.
فالجهمية وكذلك المعتزلة وكل من أنكر الرؤية شبهتهم عقلية فلسفية وليست من الوحي في شيء، فلذلك لما قيل لهم: هذا كلام الله ورسوله جاءوا بداهية أخرى وقالوا: كلام الله ورسوله نعود به إلى العقل، فما صدقه العقل أخذنا به وما كذبه كذبناه أو رددناه أو أولناه، وهكذا الأهواء يجر بعضها إلى ما هو أشد إلى أن يقع صاحب الهوى في كفر صريح وهو يدعي أنه ينصر الحق.
إذاً: هم على أصول غير الكتاب والسنة، بل أخذوها عن آراء وقواعد الفلاسفة المبنية على الأوهام والتخرصات.
قال رحمه الله تعالى: [وكيف تعلم أصول دين الإسلام من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! وكيف يفسر كتاب الله بغير ما فسره به رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحاب رسوله الذين نزل القرآن بلغتهم؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)، وفي رواية: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)، وسئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس:31]: ما الأب؟ فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟!].
المقصود هنا أن أمور العقيدة لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة، وأن نصوص الكتاب والسنة لا تفسر إلا عن علم، وأتى بكلام أبي بكر رضي الله عنه، حيث توقف في تفسير أمر من عالم الشهادة، فالأب ليس من أمور الغيب، إنما هو من النعم التي أنعم الله بها على عباده، لكن نظراً إلى أن أبا بكر رضي الله عنه وقتها لم يكن يجزم بمعنى الأب -لأن العرب تفسر الأب بأكثر من تفسير- توقف عن أن يفسرها؛ نظراً لأنها من كلام الله، وهو لا يجزم بمراد الله عز وجل، وهذا في أمور تتناولها عقول الناس، وهو من عالم الشهادة، فكيف بالأمور التي لا تدركها العقول وهي أمور العقيدة كالرؤية وكلام الله عز وجل؟!