أشار المحقق في الهامش إلى أن حديث: (يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب) ضعيف، وخلص إلى أنه ليس هناك ضرورة لإثباته، وليس من منهج السلف هذا الأسلوب، فالسلف رحمهم الله إذا ثبت عندهم الحديث قالوا به وقالوا بمقتضاه.
وإثبات الصوت لله عز وجل اختلف في أحاديثه، أما مسألة النداء أن الله ينادي عباده، وأنه عز وجل يكلمهم؛ فهي ثابتة بنصوص قطعية، فمسألة الصوت وردت فيها أحاديث صححها الكثير من أهل العلم، وبعضهم حسنها، وبعضهم ضعفها، والضعيف إذا لم يرتق إلى درجة القبول لا يثبت به صفة.
لكن الراجح -والله أعلم- أن أحاديث إثبات الصوت مرتبطة بأحاديث إثبات النداء، وأحاديث إثبات التكليم والنداء ثابتة بأسانيد صحيحة، ولذلك قال كثير من السلف: إنه لا يعقل أن الله عز وجل ينادي عباده ويكلمهم بمجموعهم وبأفرادهم بغير صوت؛ لأنه ورد في النصوص أن العباد يسمعون كلام ربهم، والسماع لا يكون إلا لصوت، هذا قول السلف، فلذلك رجحوا إثبات صفة الصوت بناءً على أن الأحاديث التي وردت فيها حسنة، وبعضهم صححها، وقد أشار الألباني في أحاديث إثبات الصوت إلى هذا الحديث نفسه، أشار إليه في سلسلة الأحاديث الصحيحة وحسنه وصححه، وأيضاً ذكره في صحيح الجامع الصغير.
إذاً: فمسألة الصوت -كما قال السلف- مرتبطة بمسألة إثبات النداء وإثبات الكلام لله عز وجل على ما يليق بجلال الله، بغير تكييف ولا تشبيه، فإذا عقل أن يثبت في النصوص النداء والتكليم فكذلك يثبت الصوت إذا ورد بأسانيد صحيحة، فما أدري لماذا جنح المحقق -عفا الله عنه- إلى التنصل من إثبات هذه الصفة، وليته أشار إلى أن الخلاف فيها وارد؛ لئلا يشعر كلامه بالجزم بنفيها، أما أن الخلاف فيها وارد فصحيح؛ لأن بعض أهل العلم قالوا: لا يلزم من إثبات النداء وإثبات التكليم إثبات الصوت، فهؤلاء لم يثبت عندهم حديث الصوت، أما الذين ثبت عندهم فلا إشكال عندهم على الإطلاق.