قال رحمه الله تعالى: [ولكن أهل المقالات الفاسدة يتذرعون بمثل هذا إلى نفي تكلم الله به وسماع جبرائيل منه].
يشير إلى أن كثيراً من أهل الكلام يزعمون أن القرآن إنما هو معجز من حيث معناه، من حيث إنه معنى قائم بنفس الله عز وجل، لا من حيث إنه هذا الكلام الذي هو بلسان عربي مبين؛ لأنهم يقولون: لو كان التحدي لمجرد كونه بالعربية لما أعجز العرب ذلك، إنما أعجزهم لأن التحدي متعلق بالمعنى القائم بنفس الله عز وجل كما يعبرون هم، فلذلك يجعلون الإعجاز فيما يتعلق بأصل الكلام عندهم، وهو أنه المعنى القائم بالنفس، أي: بنفس الله عز وجل، وهذا باطل؛ فإن الإعجاز ينصرف إلى القرآن كله بمعانيه وحروفه وكلماته، وليس إلى جزء من هذا فقط، كأن يقال بأنه معجز بحروفه وكلماته دون معانيه، أو بمعانيه دون حروفه وكلماته، فإن هذا باطل؛ فالقرآن معجز من حيث هو كلام الله، ومن حيث كونه بلسان عربي مبين، ومن حيث حروفه ومعانيه، فهو معجز من جميع هذه الوجوه.
قال رحمه الله تعالى: [كما يتذرعون بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] إلى نفي الصفات، وفي الآية ما يرد عليهم قولهم، وهو قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، كما أن في قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] ما يرد على من ينفي الحرف؛ فإنه قال: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) ولم يقل: (فأتوا بحرف أو بكلمة) وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات].
هذا دليل على أن القرآن معجز بحروفه ومعانيه.
قال رحمه الله تعالى: [ولهذا قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إن أدنى ما يجزئ في الصلاة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة؛ لأنه لا يقع الإعجاز بدون ذلك.
والله أعلم].