القول بأن الكلام قائم بالمتكلم بخلاف كلام الله تعالى فإنه لا يقوم به من المسائل التي بقيت عند الأشعري بعد رجوعه إلى السنة، وخالف فيها أهل السنة وتابع فيها ابن كلاب الذي تأول الصفات وأنكر ما يسمونه قيام الأفعال بالله، فهو ومن نحا نحوه يزعمون بأن اعتبار الكلام من الله عز وجل بحرف وصوت يعني قيام الأفعال به، كما أن النزول من قيام الأفعال به، ونحو ذلك، فهم يؤولون هذه الصفات أو ينكرونها، فعلى هذا تكون أقوال الكلابية ثلاثة، وهي أقوال أهل الكلام؛ لأن الكلابية هي أصل أهل الكلام، لكنهم توسعوا بعدها توسعاً عظيماً، حتى أدخلوا على مذهبهم بعض أصول الجهمية والمعتزلة، فأقوال الكلابية ثلاثة: الثالث والرابع بترتيب المؤلف، وثالثها هذا القول المروي عن أبي الحسن، وأبو الحسن كلابي، وهذا أيضاً مما ينبغي أن يفهم؛ كما سيأتي في مسائل كثيرة في بقية مباحث الطحاوية، فـ أبو الحسن رحمه الله كلابي يوافق ابن كلاب في مسألة كلام الله تعالى على الخصوص، وفي إنكار قيام الأفعال أو تأويل أفعال الله عز وجل أو الصفات الفعلية، وهذا ما انحرفت به الكلابية عن مذهب أهل الحديث، هذه المسألة بالذات هي التي انحرفت بها الكلابية عن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة، وصارت بذلك فرقة متكلمة، وأبو الحسن الأشعري في هذه المسألة كلابي، وإن كان يوافق سائر أصول أهل السنة والجماعة كـ ابن كلاب نفسه، فـ ابن كلاب -وهو عبد الله بن سعيد القطان - يوافق أهل السنة في سائر الأصول، لكن يخالفهم في هذه المسألة فقط، ليس في غيرها، وكذلك أبو الحسن الأشعري يوافق أهل السنة في سائر الأصول، لكن يخالفهم في هذه المسألة، وهذا الباب والمنفذ هو الذي دخل من خلاله المتكلمون فيما بعد، كـ الجويني في مرحلته الأولى في حياته، والرازي في مرحلة حياته الأولى ومن جاء بعدهما.