نرجع إلى تصنيف تلك الأقوال، فتلك الأقوال التسعة ترجع إلى أربعة أقوال: فالقول الأول: أنه مخلوق -بزعمهم- خلقه الله منفصلاً عنه.
وهذا قول الجهمية والمعتزلة، ثم تابعهم عليه متأخرة الخوارج ومتأخرة الرافضة وكذلك الزيدية، والزيدية معتزلة وشيعة، وتابعهم على ذلك أفراد من المتكلمين وبعض الفلاسفة ومن نحا نحوهم.
وقد تركنا قول الفلاسفة لأنه قول خامس، لكن لا يرجع إليه غيره، فهو قول منفرد، فإذا أفردنا أقوال أهل الأهواء فهي أربعة، وإذا جمعنا معها قول أهل السنة والجماعة تكون خمسة.
والقول الثاني: أنه معنى واحد قائم بذات الله تعالى هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار.
وهذا قول الكلابية، وهو قول بعض الأشاعرة وبعض الماتريدية وكثير من المتكلمين، وهو القول الثالث بترتيب المؤلف.
وهذا القول يرجع إليه القول السادس، فهو تعبير آخر عنه، ويرجع إليه القول السابع والقول الثامن، فالسابع والثامن ما هما إلا جمع ومحاولة توفيق بين القول الثاني والقول الثالث والقول الرابع كذلك.
والقول الرابع يرجع أيضاً إلى الأول، فما هو إلا تعبير آخر عن القول الأول بترتيبنا، وهو الثاني بترتيب المؤلف، فالرابع يرجع إلى ما سماه ثانياً، وهو القول الأول بالنسبة لاعتباره عند أهل الأهواء.
وما سماه خامساً هو القول الثالث، وما سماه تاسعاً هو القول الرابع، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو القول الحق.
والخامس الأخير هو قول من زعم أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس، وهذا القول ما ظهر إلا متأخراً جداً، يعني: ظهر في آخر القرن الرابع وما بعده.
أما الأقوال الأربعة السابقة فالقول الأول منها هو القول الحق، وبقية الأقوال قيلت في القرن الثاني والقرن الثالث.
فالقول بأنه مخلوق ظهر في القرن الثاني، والقول بأنه معنى واحد قائم بالذات لم يظهر إلا في القرن الثالث، وكذلك القول بأنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل ما ظهر إلا في القرن الثالث وما بعده، وإن كان بعض الجهمية قد قال بنحوه، لكن لم يكن على هذا النحو.
والقول السادس إنما قال به الرازي وقال به أبو البركات بن ملكا الطبيب الفيلسوف.