قال رحمه الله تعالى: [وثالثها: أنه معنىً واحد قائم بذات الله هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة.
وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كـ الأشعري وغيره].
أغلب الأشاعرة المتكلمين على هذا القول، ولا يشذ عنهم إلا بعض الأشاعرة من أهل الحديث وبعض الفقهاء وبعض الأصوليين؛ فإنهم قد يقولون بقول أهل السنة، لكنهم قليل، أما غالبية الأشاعرة فإنهم على هذا القول، أنه معنى واحد قائم بذات الله تعالى، يقصدون به نفي أن يكون الله تعالى تكلم به بحرف وصوت على ما يليق بجلال الله تعالى، هذا المقصود به، فكأنهم يقولون: إن القرآن أشبه بقوالب أو معان عامة إذا ترجمت إلى اللغات تتحول إلى الألفاظ التي يتكلم بها الناس، فهي أشبه بالمعاني العامة التي تنقسم إلى: أمر ونهي، وخبر واستخبار، فإذا جاءت إلى قلوب الأنبياء ثم تكلموا بها تحولت إلى حروف وأصوات.
هذه فلسفتهم، وما ذلك إلا انهزام أمام الجهمية والمعتزلة، هذه انهزامية أمام الجهمية والمعتزلة؛ لأن جميع المعتزلة يقولون: إنكم إذا قلتم بأن الله تكلم بحرف وصوت لزمكم أن تثبوا بقية الصفات؛ لأن هذا يعني قيام الأفعال به، وأنتم تنكرون قيام الأفعال به، فلذلك اضطروا إلى القول بأن القرآن معنى واحد قائم بذات الله، ومعنى أنه قائم بذات الله أن الله متصف به، وهذا المعنى إذا عبر عنه البشر بلغاتهم تحول إلى الكتب التي نزلت، فإذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم باللغة العربية عن المعاني التي أرادها الله صارت قرآناً، وحينما عبر عنها موسى عليه السلام صارت توراة، وحينما عبر عنها عيسى صارت إنجيلاً، وهذا هروب من الإثبات.
وفي الحقيقة لو تأملناه لوجدنا أنه يؤول إلى القول بأن القرآن مخلوق وليس منزلاً، لكنهم ما جرءوا على أن يصادموا السلف؛ لأن السلف كان لهم قوة وهيمنة، وكانت كلمتهم في هذه المسألة واضحة جداً، ولا يستطيع أحد أن يقاومهم، وإلا فلو تأملنا هذا القول لوجدنا أن مؤداه إنكار أن يكون الله تكلم بالقرآن، وإثبات أن القرآن مخلوق غير منزل.
فإذا قلنا: إن القرآن ما صار قرآناً إلا حينما تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يعني أنه مخلوق، وإذا قلنا بأن التوراة ما صارت توراة إلا حينما نطق بها أو كتبها موسى عليه السلام فهذا يعني أن الله لم يتكلم بها.