الفرق بين النبي والرسول

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد ذكروا فروقاً بين النبي والرسول، وأحسنها: أن من نبأه الله بخبر السماء إن أمره أن يبلغ غيره فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره فهو نبي وليس برسول].

التفريق بين النبي والرسول ناشئ عن القول بأن النبي غير الرسول، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه جمهور السلف، فالأنبياء غير الرسل وإن كان الرسل يصطفون من الأنبياء، وكل رسول نبي، لكن ليس كل نبي رسولاً، فالقول بالتفريق بين النبي والرسول هو الراجح، وهو الذي تقتضيه ظواهر الآيات والنصوص، بل ورد من الأحاديث ما يدل على التفريق، وإن كانت أحاديث قد لا تصل إلى درجة الصحة، لكن ما ورد من ظواهر النصوص يوصلنا إلى الجزم بأن هناك فرقاً بين النبي والرسول، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو ذر وأبو أمامة أيضاً، وأخرجه أحمد في المسند والحاكم وغيرهما -وهو حسن، وصححه كثير من أهل العلم- (أن أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كم عدد النبيين؟ فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً.

ثم سأله: كم عدد المرسلين؟ فقال: ثلاثمائة وبضعة عشر).

إذاً: فالتفريق يدل قطعاً على الفرق؛ لأنه حينما سأل أبو ذر رضي الله عنه عن عدد النبيين أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بعدد معين، ثم لما سأله عن عدد المرسلين أجابه بذكر عدد معين، فتنويع السؤال دليل على التفريق، ثم لما أجابه عن عدد المرسلين دل ذلك قطعاً على أن الرسل غير النبيين، فالمرسلون يصطفون من النبيين، لكن ليس كل نبي يصل إلى الرسالة.

فأقول: إذا صح الحديث فهو دليل قاطع، لكن لم يصل إلى درجة الصحة عند بعض أهل العلم، وإن كان روي بطرق حسنة، وقد اختلف الناس في التفريق بين النبي والرسول على أقوال كثيرة: فمنهم من نظر إلى الشرائع فقال: الفرق بين النبي والرسول: أن الرسول يأتيه شرع، والنبي لا يأتيه شرع، وإنما يكون متبعاً لشرع من قبله.

ومنهم من قال: الفرق هو الكتاب، فمن نزل عليه كتاب فهو رسول، ومن لم ينزل عليه كتاب فهو نبي.

ومنهم من نظر إلى مسألة المعجزة فقال: من حصلت له معجزة كبرى فهو رسول، ومن لم تحصل له معجزة كبرى فهو نبي.

ومنهم من نظر إلى فعل الأنبياء، فمن دعا إلى الدين بالقوة واستعمل القتال والسيف ضد خصومه فهو رسول، ومن لم يفعل ذلك فهو نبي.

ومنهم من نظر إلى كيفية الوحي فقال: من نزل عليه جبريل بالوحي فهو رسول، ومن لم ينزل إليه جبريل فليس برسول، بل هو نبي، كمن يلهم إلهاماً أو يوحى إليه بأنواع الوحي الأخرى.

ومنهم من نظر إلى نوع الوحي فقال: من أوحي إليه يقظة ومناماً فهو رسول، ومن أوحي إليه مناماً فقط فهو نبي.

وكل هذه الأقوال لا تصمد أمام النظر والاستقراء لأحوال الأنبياء والمرسلين ولمن سماهم الله أنبياء وسماهم الله مرسلين.

وهناك تفريق مشهور عند أهل العلم، وهو أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وهذا أبعد من الفروق الأخرى، لكن هناك تفريق أحسن من هذه التفريقات كلها، وهو أن يقال: إن النبي من أوحي إليه بشرع تابع لشرع من سبقه من المرسلين وأمر بتبليغه؛ لأنه لا يتأتى أن يوحى إليه بشرع ولا يؤمر بالتبليغ، بل الله سبحانه وتعالى كلف بالتبليغ أتباع الرسل، وأتباع الأنبياء من المصلحين والدعاة، فكيف لا يؤمر بالتبليغ من هو أعلم منهم؟! إذاً: فيقال: إن النبي هو من أوحي إليه بشرع تابع لشرع من سبقه من الرسل لأقرب رسول إليه وأمر بالتبليغ، والرسول: هو من أوحي إليه بشرع جديد وأمر بتبليغه، سواء أكان هذا الشرع الجديد شرعاً كاملاً كما أوحي إلى موسى، أم شرعاً مكملاً كما أوحي إلى عيسى عليه السلام، فهذا أسلم تعريف، وهو الذي استقر عليه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال بأن النبي: هو من أوحي إليه بشرع تابع لشرع من سبقه وأمر بتبليغه، والرسول: هو من أوحي إليه بشرع جديد وأمر بتبليغه.

قال رحمه الله تعالى: [فالرسول أخص من النبي، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة؛ إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم، بل الأمر بالعكس، فالرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها].

يقصد بذلك: أن الرسالة من حيث قدرها أخص؛ لأنها أعظم قدراً، وكذلك من حيث عدد المرسلين تعتبر الرسالة أخص؛ لأن عدد المرسلين أقل، لكنها أعم؛ لأنها أرفع درجة، فالرسالة أعم من النبوة من هذا الجانب، فهي تشمل النبوة وزيادة، والعكس بالنسبة للنبوة، فالنبوة أعم من جهة أهلها، أي: أن عدد النبيين أكثر، وأخص من جهة نفسها؛ فإنها جزء من الرسالة، فالنبوة مرحلة سابقة للرسالة، فهي أخص، يعني: أقل رتبة وأدنى درجة من الرسالة؛ فلذلك كل رسول نبي؛ لأن كل رسول ينبأ أولاً، ثم يصطفي الله من النبيين رسلاً، فيكون كل رسول نبياً، ولكن ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015