قال رحمه الله تعالى: [بل إنكار رسالته صلى الله عليه وسلم طعن في الرب تبارك وتعالى، ونسبته إلى الظلم والسفه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل جحد للرب بالكلية وإنكار].
وهذا من باب الإلزام، وليس هو قول الخصم، فالذين أنكروا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم قد ينكرونها مكابرة وجحداً، ومع ذلك يعترفون بهذه اللوازم، لكن هذا من باب الإلزام العقلي، وتقرير الحق بالإلزام من الوسائل التي استعملها السلف.
قال رحمه الله تعالى: [وبيان ذلك: أنه إذا كان محمد عندهم ليس بنبي صادق بل ملك ظالم؛ فقد تهيأ له أن يفتري على الله ويتقول عليه، ويستمر حتى يحلل ويحرم].
هذا القول -أي: الزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم ملك ظالم- قال به طوائف من أهل الكتاب، طوائف من اليهود وطوائف من النصارى، ولا يزال هذا القول موجوداً في طائفة كبيرة من الغربيين من المستشرقين وغيرهم، يزعمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم ملك ظالم، وأنه من ملوك العرب، وأنه مدع للنبوة، ويستدلون على ظلمه -بزعمهم- بأنه أشرع السيف في الأمم.
قال رحمه الله تعالى: [وبيان ذلك أنه إذا كان محمد عندهم ليس بنبي صادق بل ملك ظالم؛ فقد تهيأ له أن يفتري على الله ويتقول عليه، ويستمر حتى يحلل ويحرم، ويفرض الفرائض، ويشرع الشرائع، وينسخ الملل، ويضرب الرقاب، ويقتل أتباع الرسل وهم أهل الحق، ويسبي نساءهم ويغنم أموالهم وديارهم، ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض، وينسب ذلك كله إلى أمر الله له به ومحبته له، والرب تعالى يشاهده وهو يفعل بأهل الحق، وهو مستمر في الافتراء عليه ثلاثاً وعشرين سنة، وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره ويعلي أمره، ويمكن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البشر، وأبلغ من ذلك أنه يجيب دعواته، ويهلك أعداءه، ويرفع له ذكره، هذا وهو عندهم في غاية الكذب والافتراء والظلم؛ فإنه لا أظلم ممن كذب على الله وأبطل شرائع أنبيائه وبدلها وقتل أولياءه، واستمرت نصرته عليهم دائماً، والله تعالى يقره على ذلك، ولا يأخذ منه باليمين، ولا يقطع منه الوتين!].
فالله تعالى قد توعد على ما هو أقل من ذلك، فكيف بهذه الأمور كلها يفعلها ثم الله تعالى ينصره ويؤيده ويرفع ذكره ويعلي أمته في الدنيا ويمكنها من جميع الأمم؟! فالله سبحانه وتعالى توعده على ما هو أقل من ذلك في قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:44 - 46]، فإذا كان الله يتوعده في بعض الأقاويل؛ فكيف في أمر أكبر من مجرد الأقاويل؟! أمر هيمن فيه على الأمم، ورفع شعار لا إله إلا الله، وقاتل عليه، وجاء بشرع من عند الله، ووعد بأن الله سينصره، ثم نصره الله ومكن له وأظهر أمته، فلو كان هذا كذباً لما تمكن هذا التمكن وصار له ولدينه هذا الشأن.
قال رحمه الله تعالى: [فيلزمهم أن يقولوا: لا صانع للعالم ولا مدبر، ولو كان له مدبر قدير حكيم لأخذ على يديه ولقابله أعظم مقابلة، وجعله نكالاً للصالحين؛ إذ لا يليق بالملوك غير ذلك، فكيف بملك الملوك وأحكم الحاكمين؟!]