Q يشكو بعض الإخوة مما يعترض الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في سائر بلاد المسلمين من عقبات ومضايقات للدعاة، وغير ذلك مما هو معروف، ومن ذلك ما يحدث من إيقاف لبعض الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى عن ممارسة الدعوة في بلاد المسلمين عموماً، وفي بعض البلاد على وجه الخصوص، وما يستتبع ذلك من التضييق على القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ما يسميه بعضهم محاولة إغلاق بعض سبل الخير، فما قولكم في ذلك؟
صلى الله عليه وسلم هذا أمر معلوم، لكن ما ينبغي أن نفهمه جميعاً أن هذا كله من الابتلاء الذي جعله الله سبحانه وتعالى من لوازم الدعوة إلى الله، بل من لوازم الإيمان بالله سبحانه وتعالى الابتلاء في عمومه، مع العلم بأن الابتلاء في الدعوة إلى الله والابتلاء للدعاة آكد وأكثر، بل هو أمر محتم، فلا يعرف في الدنيا أن دعوة من الدعوات تمكنت وأدت رسالتها دون أن يتعرض أصحابها لشيء من الأذى والبلوى، هذا أمر لا يعرف أبداً، بل هو خلاف سنن الله في خلقه، فدعوات النبيين ورد فيها من الابتلاء والمحن شيء عظيم، ودعوة نبينا صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص ما قامت إلا بعد شيء من الابتلاء، فلذلك أوصى الله بالصبر، والله تعالى يقول: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3]، ولذلك يرد الأمر بالصبر كثيراً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، وفي هذه الآية نجد أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصبر والمصابرة، وبالمرابطة بعد الصبر، ثم بعد ذلك علق الفلاح على هذا الصبر.
فالذين يتعرضون لشيء من الأذى أو يوقفون عن الدعوة لا يضرهم ذلك، ويجب أن نتواصى ونوصيهم بالصبر، وألا نجزعهم أو ندخل عليهم اليأس والجزع والتذمر، حتى لو كان إيقافهم بغير حق، أو بأمور يلتبس فيها الحق بالباطل، أو كان بظلم صريح؛ فإن ذلك أعظم لأجرهم، وعلى أقل الأحوال برئت ذمتهم، فإنهم بذلوا ما يستطيعون، وعلى كل من يرى هذه المضايقات التي يتعرض لها الدعاة في ديار المسلمين ألا ييأس، بل يجب أن يناصح ويبين جميع السبل المشروعة، ويدرأ السيئة بالحسنة.
ثم بعد ذلك وقبله يجب على كل مسلم ألا يتوقف عن الدعوة؛ لأن سبل الدعوة كثيرة، ومهما بلغ الأمر في إغلاق سبل الدعوة فلن تنتهي أبداً، فالمسلم يجب عليه أن يصبر ويصابر ويرابط ولا يفتر عن عمل الخير، ذلك أن وجوه الخير والنفع ووجوه البر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح لا حصر لها، فإن أوقف داعية أو سدت سبيل من سبل الخير، فإن المسلم يجب عليه ألا يعجز وألا يتخاذل ولا يفتر ولا يقعد عن فعل الخير، وإذا لم يتمكن فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
إذاً: فالتحسر والجزع والتصرفات المتشنجة التي يفعلها بعض المتعجلين والمواقف الاستفزازية التي تحدث لسبب ما ذكر ليست مما يخدم الدعوة، وليست من الوسائل المشروعة، إنما المشروع هو الصبر والحكمة والحلم مع العزيمة والمضي في الدعوة إلى الله سبحانه، ومع بذل الجهد والاجتهاد وبذل الوسع.