Q إذا قيل: إن الله يريد الكفر من الكافر ويشاؤه ولا يرضاه ولا يحبه، فيشاؤه كوناً ولا يرضاه ديناً، فما المراد بذلك؟
صلى الله عليه وسلم الإرادة ليست هي المشيئة بإطلاق، فالمشيئة كلها متعلقة بالأمور الكونية العامة، متعلقة بالربوبية، أما الإرادة فنوعان: إرادة كونية -وهي المشيئة-، وإرادة دينية وهي ما يريده الله شرعاً، وما يرضاه وما يحبه، وإذا مثلنا بكفر الكافر انطبقت عليه هذه الدرجات من المشيئة ثم الإرادة الكونية والإرادة الدينية، فالكافر حينما كفر فإنما كفره بمشيئة الله، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء وهو المقدر لكل شيء، ولا يخرج شيء عن قدر الله ومشيئته، لكن لا يعني ذلك أن الله يرضى ذلك ويحبه، بل الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب ذلك لهم ويكره ذلك منهم، وهذا الأمر الفاصل بين الإرادة الكونية العامة والإرادة الشرعية.
كما أن الله سبحانه وتعالى جعل للعبد إرادة، وإرادته هي حريته في أن يختار الخير أو يختار الشر، وذلك متعلق بأوامر الله ونواهيه وببيانه الذي بين للعباد، أعني بذلك أن الله سبحانه وتعالى بين للعباد طريق الخير وأرشدهم إليه وفطرهم عليه، وبين لهم طريق الشر وحذرهم منه ونفر فطرهم منهم، وجعل لهم الإرادة والاختيار، وأرشدهم إلى أن من سلك الخير فإنه يقدره على ذلك ويهديه ويسدده ويرشده ويثيبه، وأن من أراد الشر فإنه سبحانه وتعالى يقدره عليه، لكنه يتوعده ويعذبه، وهذا أمر واضح يدركه كل عاقل، ولو أن الإنسان قسر قسراً على الشر لما حوسب، فلو تصورنا أن إنساناً قسر على الشر قسراً بدون إرادة ولا إدراك؛ فهذا فاقد لعقله وفاقد للتمييز الذي يميز به بين الحق والباطل، ومن هنا لا يكلف.
إذاً: التكليف على حرية الإنسان وقدرته ورغبته، ثم على البيان الذي بينه الله له، فقد بين له طريق الخير وبين له طريق الشر، فهذا داخل فيما يتعلق بإرادة الله الشرعية.