قال: [وخليق بنا أن نذكر هنا حقيقتين كبيرتين: الأولى: أن أهل السنة والجماعة وهم يبينون العقيدة المنجية في توحيد الله تعالى وما يلحق بها من شعب الإيمان الأخرى، يُجْلُون في الوقت نفسه ووفق المنهج المعتمد وفي ذات السياق الاعتقاد العاصم في مسائل عدالة الصحابة وتفضيل الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وخيرية القرون الأولى، والإمامة، وعدم منازعة الأمر أهله، ومضي الجهاد، والكف عن تكفير المسلمين بالمعاصي والذنوب التي هي دون الشرك الأكبر وهي مما اختلف فيه، ووحدة الجماعة، والتزام المنهج الصحيح في فهم الدين.
إن هذا الترابط الموضوعي والمنهجي بين التوحيد وبين هذه المسائل يدل على: أ- أن التوحيد هو المنهج الحاكم الذي يجب أن تفهم كل مسألة في هداه.
ب- أن الانحراف في هذه المسائل ذريعة إلى جرح التوحيد وإمراضه.
مثال ذلك: عدالة الصحابة، فإن القدح في هذه العدالة ذريعة إلى رد آيات قرآنية أخبرت بفضل الصحابة وعدالتهم، ورد القرآن إلحاد من الإلحاد.
جـ- أن الذين جادلوا في الباطل في القديم والحديث في هذه المسائل لم يعرفوا بصحة العقيدة].
فيما يتعلق بعدالة الصحابة أحب أن أشير إلى ظاهرة ظهرت كثيراً في الكتاب المحدثين، وهي: التجرؤ على بعض الصحابة، على جملة منهم أو واحد أو اثنين أو أكثر باختلاف نزعات هؤلاء الكتاب، لكن أحب أن أشير إلى أمر مقرر عند السلف، وهو أن القدح في صحابي واحد -أياً كان- في دينه وعدالته هو ابتداع وعلامة نفاق، ومن قدح فهو مبتدع، بل من علامات أهل البدع القدح في بعض الصحابة، وهي من علامات الزيغ نسأل الله العافية، ولا يعني ذلك أن الصحابة معصومون، لكن الصحابة أجمعت الأمة على عدالتهم في الجملة، وعلى أن القدح في أحدهم إنما هو زيغ ونفاق، فإذا كان كذلك فهذا يعني أن هذه الظاهرة إنما هي علامة ابتداع في هذا العصر، وقد كثرت حتى بين كتاب ينتمون إلى الدعوات الإسلامية والفكر الإسلامي، ولا يتورعون عن القدح في صحابي ما أو نسبة بعض البدع إليه، كمن ينسبون بعض الأمور إلى عثمان رضي الله عنه، أو بعض الأمور إلى أبي ذر رضي الله عنه، أو إلى أبي الدرداء، أو إلى ابن مسعود أو إلى غيرهم، وبعضهم يتهم بعض الصحابة ببعض الأهواء، حتى لو لم ينسب إليه بدعة معينة، فربما قدح فيه ليطعن في قوله أو في روايته، حتى ظهر فيمن ينتسبون إلى المتكلمين في العصر الحديث من يقول بأن الأحاديث التي رواها متأخرو الصحابة في الصفات لا تؤخذ، وهذا قدح مبطن.
أقول هذا لأن هذه المقولات كثرت في الكتب التي بين أيدينا، وأنا أقول: الذي أعرفه من منهج السلف وأئمة الدين أن القدح في الصحابي ابتداع، وهو علامة الزيغ نسأل الله العافية.