هناك كلام لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أورده المحقق في الهامش، وأحب أن أشير قبل ذكره إلى السبب في الخلاف في تقدير المضمر أو في تقدير الخبر في مسألة لا إله إلا الله، أو: لا إله غيره.
فسبب الخلاف في هذه التقديرات ناشئ عن مذاهب الناس في التوحيد.
فالباطنية والفلاسفة وغلاة المتكلمين يقدرون العبارة هكذا: لا إله موجود، وهذا تقدير ناشئ عن تصورهم أن غاية ما يمكن أن يثبت لله من التوحيد هو إثبات الوجود، وما يستلزمه من لوازم أخرى عند المتكلمين.
وطائفة أخرى -ومنهم أغلب المتكلمين، وبعض من ينتسب للسنة- قدروا التقدير الثاني، ولم يذكره هنا ولكنه أشار إليه، فقالوا بأن المقصود تقدير الخالق، أي: لا إله خالق وموجد أو رب غير الله.
وهناك تقدير ثالث أيضاً قال به بعض المتكلمين، وهو: (لا إله إلا الله) بلا تقدير، فقالوا: لا داعي للتقدير، فنفوا الإلهية عن غير الله تعالى مطلقاً، وهذا قريب من الحق، لكن لا يتم به المعنى اللغوي؛ لأنه لا يتم المعنى اللغوي إلا بتقدير.
فلذلك الذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة أن تقدير الكلام: لا إله بحق، أو لا إله حق، أو معبود بحق، فكلها عبارات متقاربة صحيحة، لا إله معبود بحق، أو لا إله حق، أو لا إله بحق إلا الله؛ لأنه ليس المقصود مجرد نفي الآلهة؛ لأنه يوجد في البشر من يعبد آلهة غير الله، وإن كانت آلهة لا تستحق العبادة، لكنها موجودة، إذاً: فنفي الوجود لآلهة غير الله ينافي الواقع؛ لأن هناك من يعبد غير الله ويزعم أنه إله.
وكذلك نفي الماهية، وهو نفي الإلهية مطلقاً دون أن تقيد لا معنى له ولا يتم به المعنى اللغوي.
وكذلك تقدير المتكلمين بأنه لا إله خالق أو رازق أو مدبر، أو لا إله يستحق الربوبية غير الله، فهذا تقدير ناقص؛ لأنه ليس المقصود نفي الربوبية؛ لأن نفي الربوبية عن غير الله مما يعترف به المشركون، يعترفون بأنه لا رب -أي: لا رزاق ولا خالق- إلا الله، إنما جاء النفي في الرد على المشركين، أي: نفي المعبودين من دون الله سبحانه، وهذا هو الذي نزل من أجله القرآن؛ لأن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأول ركائز الهدى: الدعوة إلى توحيد الله في العبادة، وهو الذي نازع فيه المشركون، بل نازعت فيه جميع الأمم التي خالفت الأنبياء، نازعت في طاعة غير الله وفي عبادة غير الله، وجعلت غير الله معبوداً من دون الله، وجعلت غير الله مطاعاً من دون الله، فلذلك جاء القرآن للرد عليهم، ولتقرير الإلهية بمعنى العبودية لله سبحانه وتعالى.
إذاً: إذا قيل: لا إله غيره.
فالمعنى: لا إله يعبد ويستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى.