موقف أهل السنة تجاه الألفاظ الشرعية وألفاظ أهل الكلام فيما يوصف الله تعالى به

قال رحمه الله تعالى: [وهذا النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه فيه إساءة أدب؛ فإنك لو قلت للسلطان: أنت لست بزبال ولا كساح ولا حجام ولا حائك؛ لأدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقاً، وإنما تكون مادحاً إذا أجملت النفي فقلت: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف وأجل، فإذا أجملت في النفي أجملت في الأدب.

والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة، والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الأسماء والصفات، ولا يتدبرون معانيها، ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده.

وأما أهل الحق والسنة والإيمان فيجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده واعتماده، والذي قاله هؤلاء إما أن يعرضوا عنه إعراضاً جملياً، أو يبينوا حاله تفصيلاً، ويحكم عليه بالكتاب والسنة، لا يحكم به على الكتاب والسنة].

يشير بهذا إلى أن ما ذكره الله تعالى، وما ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته وأفعاله مشتمل على كل كمال وتقديس وتنزيه لله تعالى.

ولذلك فإن كل لفظ يطلق على الله تعالى لم يرد لابد من التفصيل فيه؛ لأنه لا يمكن عقلاً وشرعاً أن يتصور أن يأتي الناس بألفاظ كمال لله تعالى أعظم مما جاء في القرآن والسنة، بل يستحيل أن يأتي الناس -بأي لغة نطقوا وبأي خيال تخيلوا، وبأي عقول فكروا- بكمال أعظم مما ذكره الله عن نفسه.

بل لله تعالى من الأسماء التي ذكرها والصفات التي ذكرها ما يشمل كل كمال متخيل أو متصور، فضلاً عن أن ينطق به.

فإذا كان الأمر كذلك فعلام الخوض في ذات الله وأسمائه وصفاته؟ هل سيأتي الناس بصفات أعظم مما أخبر الله به عن نفسه، أو بأسماء أعظم مما أخبر به الله عن نفسه؟! يستحيل هذا.

وهل الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى أن يعظم ويقدس بأعظم مما قدس وعظم به نفسه وعظمته به رسله؟! وبناءً على هذه القاعدة وعلى هذا التصور السليم لأهل السنة والجماعة الذين وقفوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بناءً على هذا فكل لفظ يرد على ألسنة البشر أو يتوهمونه في خيالاتهم في الصفات والأسماء لابد من التفصيل فيه، فلا يمكن أن يقبل بإطلاق، ولا يرفض بإطلاق؛ لأنه قد يشتمل على بعض كمال يثبت لله تعالى بعد التفصيل، لكنه لن يخلو من النقص.

فلذلك توقف السلف في كلمات هي حق في أسماء الله وصفاته، لكنها قد توهم، توقفوا فيها لأنها لم ترد في الكتاب والسنة، مثل كلمة (القديم)؛ لأن كلمة (القديم) أطلقها السلف في معرض الرد وصفاً لاسم الله تعالى الأول، فقالوا في وصف اسم الله تعالى الأول: قديم بلا ابتداء، لكنهم لا يفردون كلمة (قديم) نظراً لأنها تتضمن معنيين: أحدهما يعني الكمال، والآخر يعني النقص.

أما الكمال فالقديم هو الأول الذي ليس قبله شيء.

وأما النقص فقد يكون القديم معناه: المتهالك الذي مضى عليه الزمن فأصبح بالياً، فهذه الكلمة التي يعتز بها الفلاسفة والمتكلمون هي كلمة ناقصة، لا يمكن أن ترقى إلى درجة ما تكلم الله به أو تكلم به رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته.

وعليها تقاس جميع الألفاظ التي ترد على ألسنة المتكلمين، فلذلك ينبغي على كل مسلم وكل طالب علم أن يحرص على أن يتشبع بعقيدة السلف قبل أن يقرأ كتب المتكلمين إذا قُدِّر أن يبتلى بحكم التخصص أو حاجة المسلمين، فعليه أن يتشبع بمذهب السلف في العقيدة قبل أن يقرأ أو يتعرض لقراءة كتب المتكلمين وأهل الافتراق، خاصة في الجوانب التي خالفوا فيها السلف، سواءٌ المعطلة كالجهمية والمعتزلة، والمؤولة كالأشاعرة والماتريدية فيما أولوا فيه وخالفوا فيه السلف؛ فإن عقائدهم -أي: المؤولة من الماتريدية والأشاعرة- تشتمل على نوعين: نوع يوافقون فيه السلف، ومن ذلك ما يتعلق بالصحابة وكثير من مسائل الإمامة، وبعض مسائل القدر، والكفر، والفسق، وأهل الكبائر، والشفاعة، والحوض، والميزان، والصراط، والرؤية ونحو ذلك، يوافقون السلف فيه، وهم في هذا من أهل السنة والجماعة.

لكنهم يخالفون في جوانب أخرى، مثل بعض مسائل صفات الله وأسمائه، أو بعض مسائل القدر، أو بعض السمعيات، فعلى المسلم ألا يتلقى عنهم ذلك وإن كانوا يعدون من الأئمة، فلا يتلقى عنهم ما خالفوا فيه السلف في التأويل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015