قال رحمه الله تعالى: [والجهمية: هم المنتسبون إلى جهم بن صفوان الترمذي، وهو الذي أظهر نفي الصفات والتعطيل، وهو أخذ ذلك عن الجعد بن درهم، الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري بواسط، فإنه خطب الناس في يوم عيد الأضحى وقال: أيها الناس! ضحوا تقبَّل الله ضحاياكم، فإني مُضحٍّ بـ الجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً! ثم نزل فذبحه، وكان ذلك بعد استفتاء علماء زمانه، وهم السلف الصالح رحمهم الله تعالى].
قصة قتل الجعد مشهورة ومستفيضة عند السلف، وأنها إنما تمت بسبب قوله بأصول الجهمية؛ بسبب إنكاره لأسماء الله عز وجل وصفاته، لا كما يدعي كثير من أهل الأهواء قديماً وحديثاً من أن قتل الجعد كان قتلاً سياسياً، هذه شنشنة لا نزال نسمعها من كثير من الذين في نفوسهم هوى أو جهل بمناهج السلف؛ فإن قتل الجعد وغير الجعد ممن قتلوا في ذلك الوقت من الذين جانبوا الحق، إنما كان من باب الردع وإقامة الحد، وخالد بن عبد الله القسري الذي قتل الجعد إنما فعل ذلك بعد استفتاء علماء زمانه، كما هو معروف، بل بوصية من العلماء؛ لأن الفتنة في أقوال الجعد كانت فتنة عظيمة، تتعلق بأصول الدين وقواعده الأساسية.
قال رحمه الله تعالى: [وكان جهم بعده بخراسان، فأظهر مقالته هناك، وتبعه عليها ناس بعد أن ترك الصلاة أربعين يوماً شكاً في ربه! وكان ذلك لمناظرته قوماً من المشركين يقال لهم: السُّمَنية من فلاسفة الهند، الذين ينكرون من العلم ما سوى الحسيات، قالوا له: هذا ربك الذي تعبده هل يُرَى أو يُشَم أو يُذاق أو يُلْمَس؟ فقال: لا.
فقالوا: هو معدوم! فبقي أربعين يوماً لا يعبد شيئاً، ثم لما خلا قلبه من معبود يألهه نقش الشيطان اعتقاداً نَحَته فكرُه، فقال: إنه الوجود المطلق! ونفى جميع الصفات، واتصل بـ الجعد.
وقد قيل: إن الجعد كان قد اتصل بالصابئة الفلاسفة من أهل حران، وأنه أيضاً أخذ شيئاً عن بعض اليهود المحرفين لدينهم المتصلين بـ لبيد بن الأعصم الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
فقُتل جهم بخراسان، قتله سلم بن أحوز؛ ولكن كانت قد فشت مقالته في الناس، وتقلدها بعض المعتزلة؛ ولكن كان الجهم أدخل في التعطيل منهم؛ لأنه ينكر الأسماء حقيقة، وهم لا ينكرون الأسماء، بل الصفات].