حقيقة اختلاف التضاد

قال رحمه الله تعالى: [وأما اختلاف التضاد: فهو القولان المتنافيان، إما في الأصول، وإما في الفروع، عند الجمهور الذين يقولون: المصيب واحد، والخطب في هذا أشد؛ لأن القولين يتنافيان، لكن نجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل الذي مع منازعه فيه حق ما، أو معه دليل يقتضي حقاً ما، فَيَرُدُّ الحقَّ مع الباطل، حتى يبقى هذا مبطلاً في البعض، كما كان الأول مبطلاً في الأصل، وهذا يجري كثيراً لأهل السنة].

هذه من القواعد الذهبية التي ينبغي أن نستفيد منها، وهي مما تجاوزها كثير من المنتسبين للسنة، فتجد بعض المنتسبين للسنة يرد الحق الذي مع المخالف؛ لأن المخالف عنده شيء من الباطل، وهذا خطأ شنيع، الحق ينبغي أن يقبل ويرد إلى أصوله، وإذا كان المخالف معه شيء من الحق وعنده شيء من الباطل، فيجب على منازعه وعلى مخالفه أن يعترف بما عنده من الحق، ويرد ما عنده من الباطل، وإلا وقعت فتنة وفساد عظيم في الأمة، حتى إن هذا يحدث بين المتنازعين من أهل السنة، فقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا يحصل بين متبعي أئمة المذاهب الفقهية، في اختلافاتهم واجتهاداتهم، فنجد أن هناك من ينتسب للسنة من قاصري العلم والتأصيل، نجد أنهم متميزون برد الحق الذي مع المخالف، حتى وإن كان من أهل السنة، بمجرد أن يكون في القضية شيء من الباطل يرد الحق الذي معه، والناس قد يكون في أقوالهم حق وباطل، فالقول الواحد قد يتضمن شيئاً من الحق وشيئاً من الباطل، فالميزان الشرعي الصحيح أن نقبل الحق ونخضع له، وإن كان مع الخصم، ونرد الباطل دون أن نجعل الأمر ملتبساً.

فأقول: إن كثيراً من الناس يرد قول المخالف جملة وتفصيلاً، دون أن ينظر ما فيه، وهذا أدى إلى سوء الظن بين الفريقين، وأدى أيضاً إلى الاعتداء، وإلى استعمال بعض الأساليب التي لا تجوز إلا مع أهل البدع المغلظة، فينبغي التنبه لهذا الأمر وتأصيله وبيانه للناس، خاصة لطلاب العلم الذين كلامهم له أثر في الناس، وله أثر في المتلقين والناشئة، ينبغي أن ترسم هذه القاعدة بوضوح وتنشر وتبين، وهو أنك إذا خالفت أحداً من أهل السنة فيجب أن تضع في بالك ونصب عينك ما معه من الحق، وتحمده عليه، وترد ما معه من الباطل، وتعتذر له؛ لأنه أخطأ، أما أن تتخذ الخطأ ذريعة للسب وذريعة للتجريح فهذا ليس هو منهج السلف، وقد يكون لبعض السلف بعض المواقف وبعض الكلمات، التي هي أشبه بنصوص الوعيد في حق المخالف، فلا تؤخذ على أنها منهج؛ لأن بعض السلف يكون قد قسا على قرين له، أو على عالم آخر، أو على طالب علم في وقته، وقال كلمات، لكن هذا ليس منهجاً، وإنما هذا من باب الوعيد والتحذير، لكن المنهج إذا رأيته وإذا تأملته فيما كتبوه وسطروه، خاصة في كتب الرجال التي كتبها السلف في التراجم، نجد أنهم منصفون فيما كتبوه، وهكذا ينبغي للناس أن ينصف بعضهم بعضاً.

والكلام في أبي حنيفة يعتبر نموذجاً، فـ أبو حنيفة رحمه الله وقع في بدعة لا يبدع بها، لكنها تعتبر زلة عالم، وزلة العالم ينبغي التنبيه عليها، والتحذير منها، وعدم الدفاع عنها، وينبغي أيضاً أن يقال: إن هذه زلة وبدعة، لكن يعتذر له؛ لإمامته في الدين، وهذا يدل على أن العالم لا يبدع بها، أما من دونه يبدع بها.

قال رحمه الله تعالى: [وأما أهل البدعة فالأمر فيهم ظاهر، ومن جعل الله له هداية ونوراً رأى من هذا ما يبين له منفعة ما جاء في الكتاب والسنة من النهي عن هذا وأشباهه، وإن كانت القلوب الصحيحة تنكر هذا، لكن نور على نور].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015