من المناسب الآن أن أشير إلى بعض الأمور، التي أصبح كثير من المسلمين يجهلها في معنى الجماعة، وعلى من ينطبق مفهوم الجماعة الذين أمر الله بالاعتصام بهم، ونهى أشد النهي عن الفرقة عنهم، وأحياناً جعل الفرقة عنهم تعادل الفرقة في الدين، وجعل الاجتماع بهم هو علامة السنة، والافتراق عنهم هو علامة البدعة، وتوافرت النصوص في آيات الله عز وجل، وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أن الافتراق عن الجماعة من أشد البدع، وأنه هوى ونزاع في الدين، ليس مجرد إخلال بمصلحة الأمة، بل هو نزاع في الدين، وخروج عن سبيل المؤمنين، وأصحابه من أعظم أصحاب الوعيد، ومن شذ عن الجماعة فقد شذ الشذوذ المهلك، فلعلي الآن أوجز الحديث عن هذا الموضوع بتعريف الجماعة بمعانيها الواسعة في الشرع، التي ورد إطلاقها على الجماعة، والتي تعني أن الجماعة تطلق على عدة اعتبارات، كلها أمرنا بالاعتصام بها، ونهينا عن مخالفتها والشذوذ عنها.
أولاً: الجماعة في اللغة: هي من الاجتماع ضد الافتراق، يقال: تجمع القوم إذا اجتمعوا من هنا وهناك، أي ائتلفوا من بعد تفرق، ويقال: جمع المتفرق، أي ضم بعضه إلى بعض، ويقال: جمع فلان القلوب إليه، أي: ألفّها.
والجماعة كذلك: هي اسم لجماعة الناس، والجمع مصدر لقولك جمعت الشيء.
وكذلك الجمع قد يطلق على المجتمعين، يقال: هذا جمع من الناس، أي: جماعة مجتمعة.
والجمع قد يجمع على جموعه كذلك، والجماعة والجميع والمجمع والجمع كلها بمعنى واحد.
والجماعة في اللغة إذا أريد بها جماعة الناس، فهم القوم المجتمعون على أمر ما.
قال الفراء: إذا أردت جمع المتفرق، قلت: فهم مجموعون، وكذلك قد تطلق الجماعة على الإجماع، وهو الاتفاق والإحكام، يقال: أجمع الأمر أي: أحكمه، فالجماعة قد تطلق على هذا المعنى، بمعنى أن أمورها محكمة، وأنها مجتمعة على ما يقتضي قوتها واجتماعها.
وفي الغالب أن الجماعة في ذهن السامع الفاهم للعربية تعني: العدد الكثير، والطائفة من الناس التي يجمعها غرض واحد، سواء اجتمعت في زمان ومكان واحد، أو لم تجتمع، فقد تطلق الجماعة على من تفرقوا في البلاد، لكن اجتمعوا على أمر ما، كجماعة أهل السنة والجماعة.
وقد تطلق الجماعة أيضاً على من كانوا على غرض واحد في أزمان متفرقة، وعلى هذا فإن الجماعة سميت جماعة؛ لأنها تعني الاجتماع، وضد ذلك الفرقة.