Q كيف نرد على من يعتقد الخروج على الولاة الظلمة، مستدلاً بخروج أصحاب الحرة، وعبد الله بن الزبير، والقراء في فتنة ابن الأشعث؟ ويقول: أليس هؤلاء من السلف، فلماذا لا نقتدي بهم؟
صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تحكم مثل هذه المسائل بمنهج السلف، لا بمجرد الكلام التفصيلي، هل هؤلاء مخطئون أو غير مخطئين؟ أولاً: لا يعد السلف كل ما حدث في عهدهم مشروعاً.
ثانياً: لا يعدون كل ما حدث من أفراد السلف وبعض جماعاتهم مشروعاً؛ لأنه قد يحدث من بعض أفراد السلف أو بعض جماعاتهم الذين هم دون الجماعة الكبرى، قد يحدث منهم زلة عن اجتهاد أو تأول.
ثالثاً: أنه قد يخفى على بعض المنتسبين للسلف من العلماء ومن العامة ومن القراء وغيرهم، قد يخفى عليهم أصل، فيعملون بخلافه وهم لا يدرون، أو يتأولون ذلك الأصل.
ثم إن هذه الحوادث التي حدثت، وقد سميت: حادثة الحرة، وفتنة ابن الأشعث، أما قصة عبد الله بن الزبير فتختلف عن القصتين.
لكن مثل حادثة الحرة، وفتنة ابن الأشعث حدثت عن اجتهاد من بعض المنتسبين للعلم، وحدث فيها كلام وبعدها، فقبلها حدث أن تكلم الناس في الخروج على يزيد، أو في الخروج على عبد الملك، فكان أن قرر أهل العلم الكبار أمثال الحسن البصري وغيره بأن هذا لا يجوز، فتأول آخرون وقالوا: يجوز، لكنهم خالفوا من هم أكبر وأعلم.
ففي فتنة الحرة نعرف أن كبار الصحابة الموجودين منهم نهوا عن الخروج، حتى لما رأوا عزم أولئك على الخروج خرجوا من المدينة؛ لأنهم عرفوا أنها ستكون فتنة، والذين قاموا بفتنة الحرة شباب ليس معهم شيوخ إلا واحد أو اثنان، وهؤلاء الشباب أخذتهم الغيرة والعاطفة، ولم يسمعوا للكبار الراشدين الفقهاء، لكن كانوا مجتهدين، وأمرهم إلى الله عز وجل، لكن كان عملهم خطأ.
كذلك فتنة ابن الأشعث حدث فيها خلاف كبير بين أهل العلم، فالعلماء الذين هم مرجع الأمة مثل: الحسن وغيره رفضوا الخروج بل أمروا الناس بأن يكفوا حتى عن جهاد هذا الظالم الجبار العاتي وهو الحجاج، وقالوا: ما هو إلا ذنب من ذنوبكم، فاستغفروا الله وتوبوا إليه، واعملوا ما تستطيعون، ولا يسعكم الخروج؛ لأن الخروج فتنته أعظم.
وفعلاً حصل ما قاله الحسن بحذافيره، لا لأنه يعلم الغيب، ولكنه يعلم لماذا نهى الشرع عن الخروج؛ لأن الخروج يؤدي فتنة عظمى، فلما خرج أولئك على الحجاج كانت الجولة للحجاج، فكان أن نكل بهم، ونكل بأقاربهم وبالأبرياء من النساء والرجال والأطفال، فهذا دليل على أن هؤلاء أخطئوا وتأولوا، ثم بعد انتهاء الفتنة، سواء فتنة الحرة أو فتنة ابن الأشعث -كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - نظر السلف في عموم النصوص في قواعد الشرع فأجمعوا على أن الخروج لا يجوز، وأن ما حدث كان زلة من هؤلاء، لكن لا يقتدى بهم فيها؛ ولذلك سموه فتنة، وسموه خروجاً.
فعلى هذا لا ينبغي الاستدلال بمثل هذه الأمور، بل ينبغي الاستدلال بقول السلف فيها، أنا لا أعرف أحداً من السلف الذين يقتدى بهم في الدين، المعتد بقولهم، الذين هم مصدر أخذ الدين ومناهجه، اعتبروا فتنة ابن الأشعث حجة، ولا اعتبروا فتنة الحرة حجة، بل العكس اعتبروها زلة.
فإذاً: لم يستدلُ هذا المسكين بأدلة هي خلاف استدلال السلف؟ اعتبرها السلف من الزلات، ولا يزالون يضربون بها المثل على أنها من الغلطات التي وقعت فيها طائفة من المؤمنين.
فهل يريد هذا أن تكرر الأمة الغلطات؟ ارجعوا إلى أقوال السلف، ليس الكلام كلامي، لكن ارجعوا إلى أقوال المحققين ممن محصوا هذه الأمور.
أما عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فقد ظهر في فترة كانت الخلافة شبه مضيعة، لما بويع بعد يزيد بن معاوية ابنه حصل نوع من الانفلات، وما تولى الخلافة بشكل حقيقي، ثم توفي بعد أيام، ثم بقيت الأمة بلا إمام ولا خلافة، فـ ابن الزبير دعا ودعي له بالبيعة، فبويع له بالحجاز، ووصلت ولايته إلى العراق، ثم في هذه الأثناء استعاد بنو أمية الخلافة، واجتمعت الأمة حولهم، وصار اضطراب عن اجتهاد من الفريقين، ما نستطيع أن نخطئ هذا ولا نخطئ هذا، فـ ابن الزبير ما خرج ولا حث على يزيد بن معاوية، رغم أنه اشتهر بالظلم؛ لأنه صحابي ويعرف أحكام الخروج.
إذاً: الاحتجاج بمثل هذه الأمور غير صحيح، ومن وقعت عنده هذه الشبهة ينبغي أن يرجع إلى قول المحققين والأئمة، ولا يرجع إلى فتاوى شاذة؛ لأنه سيجد من الفقهاء من يفتي بمثل هذه الأمور، لكن العبرة بجمهور السلف، وإلا العالم يزل والمجموعة من العلماء يزلون، قد تزل جماعة من المؤمنين وطائفة من المسلمين، فالأخيار يزلون.
ففتنة الحرة، وفتنة ابن الأشعث هي زلات يغفر الله لمن وقع فيهما، ولا نقول في دي