المرحلة الثانية: مرحلة ما ظهر في القرن الثاني، وقد استجد فيها على أئمة المسلمين أمر، وهو الرد على أهل البدع، وصاحب هذا الرد ضرورة وضع الموازين والأصول الأولى في مهمات العقيدة، كالإيمان تعريفه ومسماه وزيادته ونقصانه، والقدر ومفهومه، والرؤية، وكلام الله وأسمائه وصفاته، فهذه الأمور كانت في القرن الأول تفهم جملة، وما كان الناس يتحدثون عن جزئياتها؛ لأنهم يفقهونها في الجملة.
وأما في القرن الثاني فظهرت المرحلة الثانية، وهي ضرورة الدفاع عن هذه الأصول وإبرازها كأصول مستقلة لها حدود تعرف بها وتفهم عند الناس، ووضعت لها ضوابط معينة، وظهرت مسألة الاستدلال الشامل على هذه المسائل، بمعنى أنه اضطر أئمة الدين إلى أن يأخذوا الأدلة من الكتاب والسنة، ويبرزوها مستقلة إما على شكل كتب أو مصنفات، وإما على شكل مناظرات أو مجالس علمية في موضوع ما، كما في الرؤية، حيث استقيت نصوص الرؤية وظهرت في هذا الوقت جلية؛ لأنه ظهر من أنكر الرؤية وتكلم بذلك، وكذلك كلام الله، والقرآن، ومسألة أسماء الله وصفاته، فأبرزت النصوص المستقلة في هذا الأمر، وكذلك الوعد والوعيد، فاضطر السلف إلى أن يأخذوا نصوص الوعد ويبرزوها، ثم نصوص الوعيد ويبرزوها، وأخذوا منهجاً وسطاً -وهو منهج الحق- بين الوعد والوعيد، وهكذا بين منكري القدر والجبرية وغيرهم.
وفي المرحلة الثانية أيضاً ظهرت المصنفات الصغيرة في جزئيات العقيدة، في الرد على فرق بعينها، وفي كتابة المسائل المحدودة المعينة، لكنها مصنفات قليلة.