قال رحمه الله تعالى: [ومما ينبغي التنبيه عليه هاهنا: أن الفراسة ثلاثة أنواع] تكلم المؤلف عن الفراسة؛ لأنها نوع من الكرامة، والمقصود بها فراسة المؤمن، وقد تختلط الفراسة ببعض المخارق عند من لا يدركون أو لا يفقهون.
فالمهم أن الفراسة هي التحديث الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن في هذه الأمة محدَّثين، وذكر منهم عمر بن الخطاب، وهم أهل الفراسة الذين يلقي الله في قلوبهم الحق ويلهمهم إياه، والفراسة هي إلهام وتحبيب، وهي نوع من الكرامات والخوارق.
قال رحمه الله تعالى: [إيمانية: وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده، وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب، يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة، ومنها اشتقاقها، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيماناً فهو أَحَدُّ فراسة.
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: الفراسة مكاشفة النفس، ومعاينة الغيب، وهي من مقامات الإيمان، انتهى.
وفراسة رياضية: وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدل على إيمان ولا على ولاية، ولا تكشف عن حق نافع، ولا عن طريق مستقيم، بل كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم].
في تسمية هذا النوع فراسة نظر؛ لأن الفراسة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن) هي فراسة شرعية، وهي نوع من الكرامة، لا تلتبس بالنوع الآخر الذي هو الكشوف، وأشبه ما يكون بالهستريا التي تحدث لمن يبالغ في الجوع والسهر والعطش، فلا تسمى هسترته فراسة على المعنى الشرعي، لكن يمكن تسمى فراسة بالمدلول اللغوي.
قال رحمه الله تعالى: [وفراسة خلقية: وهي التي صنّف فيها الأطباء وغيرهم، واستدلوا بالخلق على الخُلقُ؛ لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل، وبكبره على كبره، وسعة الصدر على سعة الخلق، وبضيقه على ضيقه، وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما، وضعف حرارة قلبه ونحو ذلك].
هذه أمور علمية وتسميتها فراسة تسمية مجازية؛ لأن الأمور التي تثبت بالتجارب ويعرفها أهل الاختصاص ليست فراسة على المعنى الشرعي، إنما هي أمور علمية يدركها المتخصص، ولا يدركها غير المتخصص، فربما يشعر غير المتخصص أنها نوع من الفراسة، لكن ليست فراسة، وإنما هي أمور تعرف بالقرائن وتعرف بالدراسة، وتعرف بالعلم والتجربة والاستقراء، سواء في الطب أو في سائر العلوم، أو في الممارسات العادية لأصحاب المهن وغيرها، فإن هذه الأمور تحدث لهم، لكن تسميتها فراسة حقيقة فيها نظر، وهذا التقسيم هو تقسيم لغوي لا تقسيم شرعي؛ لأن الفراسة الشرعية لا تختلط بالمعاني الأخرى، من المخرصة، أو الأمور الخُلُقية المعروفة بالعلم ونحو ذلك.