قال رحمه الله تعالى: [قوله: (ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء).
يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة].
هذا مذهب تفضيل طوائف من الناس على الأنبياء والرسل، وهذا المذهب يوجد في كثير من الطوائف الضالة، فبعضهم يصرح، وبعضهم يكون واقع حاله تفضيل البشر، أو تفضيل من يزعمون له الولاية أو القداسة والإمامة على الأنبياء، فممن يصرحون بالتفضيل، تفضيل أنفسهم، أو تفضيل من يقدسونه، أو تفضيل الأولياء والفلاسفة على الأنبياء، ممن يصرح بذلك الفلاسفة، فالفلاسفة كلهم، حتى الذين يسمون بالإسلاميين وعلى رأسهم الفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن سبعين وابن الفارض ومن سلك سبيلهم ممن زعم لهم الإسلام وليسوا كذلك، هؤلاء يصرحون بتفضيل الفلاسفة والأولياء على الأنبياء والمرسلين، وتوجد هذه النزعة عند طوائف الباطنية بشتى أنواعها، كل الباطنية بفرقها تفضل الأولياء أو الأئمة كل له في ذلك نزعة، يفضلون رؤسائهم على الأنبياء والمرسلين، وأحياناً يصرحون بإهانة المرسلين، وكذلك طوائف من المتصوفة، والمتصوفة أغلبهم ينزعون إلى الفلسفة وإلى الباطنية، لا تخلو أغلب مدارس الصوفية من النزعة الفلسفية التي تقول بتفضيل الأولياء على النبيين، أو النزعة الباطنية التي تقول بتفضيل الأئمة على الأنبياء.
ثم الرافضة حقيقة مذهبهم أنهم يفضلون الأئمة على الأنبياء، والاتحادية وغلاة الجهمية يدخلون في طوائف الفلاسفة وغلاة المتصوفة والباطنية.
كذلك كبار الجهمية وكبار المعتزلة نجد منهم من يفضل الطوائف من الفلاسفة والعقلانيين على الأنبياء، وبعضهم يلزمه ذلك من باب الإلزام، يعني: غلاة المتكلمين تدل نظرتهم إلى الدين الذي جاء به الرسل على أنهم يفضلون أنفسهم على الأنبياء؛ وذلك أنهم فضلوا عقولهم وأفكارهم وما ابتدعوه من مناهج في الدين على الأنبياء، هذا من باب الإلزام.
وهناك طوائف من الجهمية وطوائف من المعتزلة وبعض المتصوفة وبعض المتشيعة يلمحون لهذا ولا يصرحون، أما خلّص الرافضة وخلّص الباطنية وخلّص المتصوفة الغلاة، وخلّص الفلاسفة فهؤلاء يصرحون بالتفضيل، ولا عندهم في ذلك أي تردد، ويبالغون في هذا في مؤلفاتهم، وفيما أُثر عنهم من كلام، وفي أشعارهم وفي غير ذلك، فقد قرروه تقريراً، وانتصروا له في مؤلفات وكتب.
قال رحمه الله تعالى: [يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الاتحادية وجهلة المتصوفة، وإلا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع، فقد أوجب الله على الخلق كلهم متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء:64] إلى أن قال: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]].
الاتحادية هم أصحاب الاتحاد من الفلاسفة والباطنية وغلاة الصوفية، وهؤلاء كلهم مذهبهم واحد، يختلفون فقط في التعبيرات عن المذهب.
والاتحادية هم الذين يرون اتحاد الخالق بالمخلوق أو اتحاد المخلوق بالخالق، بعضهم يعبر عن مسألة الاتحاد بزعمه أنه حلت فيه الإلهية، مثل ما فعل الحلاج، وبعضهم يزعم أن الله الخالق حل في المخلوقات أو اتحد فيها، وهذا مذهب كثير من غلاة الصوفية، فهؤلاء كلهم اتحادية، الذين يزعمون اتحاد الخالق بالمخلوق أو ببعض مخلوقاته، أو الذين يزعمون اتحاد المخلوقات أو بعض المخلوقات بالله عز وجل بأي نوع من أنواع الاتحاد.
وعلى ذلك يعد التثليث عند النصارى والتثنية عند المجوس، وكذلك مذاهب غلاة الصوفية كلها نوع من الاتحاد.
والاتحاد يشمل وحدة الوجود، وإن كانت الوحدة أخص أو أصرح في التعبير من الاتحاد، لكن مع ذلك فإن الاتحاد يشمل هذه المذاهب كلها؛ لأن الاتحاد يعبر عنه بعدة تعبيرات، فمنهم من يقصد بالاتحاد الاتحاد الجزئي، وهم أغلب أصحاب الاتحاد، ومنهم من يقصد بالاتحاد الاتحاد الكلي، وهؤلاء أحياناً يعبرون عن ذلك بوحدة الوجود، ولذلك يقال لهم: أصحاب وحدة الوجود، وهم في الحقيقة اتحادية، لكن عمموا مسألة الاتحاد حتى سموا بأصحاب وحدة الوجود، وهم الذين يرون أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، فكل من الخالق والمخلوق يتمثلون في هذا الخلق، تعالى الله عما يزعمون.