وإنما قال الشيخ رحمه الله: (فقد برئ من النفاق)؛ لأن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق؛ قصْدُه إبطال دين الإسلام، والقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك العلماء، فإن عبد الله بن سبأ لما أظهر الإسلامَ، أراد أن يفسد دين الإسلام بمكره وخبثه، كما فعل بولس بدين النصرانية، فأظهر التنسُّك، ثم أظهر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتلِه، ثم لما قدم علي الكوفة أظهر الغلو في علي والنصر له؛ ليتمكن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك علياً فطلب قتله، فهرب منه إلى قرقيسا، وخبره معروف في التاريخ.
وتقدم أنه من فضَّله على أبي بكر وعمر جلده جلد المفتري].
مسألة إرجاع الرفض إلى النفاق، هذا أمر صحيح، لا شك أن الرفض منشؤه النفاق والمنافقون؛ لأن الرفض في الحقيقة عبارة عن ديانات كثيرة تقمصت مذاهب التشيع، هذه الديانات منها: اليهودية، ومنها: الصابئية، ومنها: المجوسية، وهي الأغلب، ومنها: النصرانية؛ ولذلك وجدت سمات هذه الديانات في الرافضة، فصارت الرافضة خليطاً من ديانة المجوس أولاً؛ لأن أغلب سمات الرافضة مجوسية في عقائدها، وفي عباداتها، وفي عاداتها وفي عوائدها، وفي مظاهر أعيادها، كما أنها مجوسية من حيث النزعة الشعوبية، أو النزعة العنصرية، فالرافضة مجوس قديماً وحديثاً، وينزعون إلى نصرة المجوس، وهم في أي وقت تقوم لهم دولة ينصرون تقاليد المجوس، ويتمسكون بآداب المجوس، حتى في أنماط إدارة الأمور، حتى في الشئون السلطانية، كما أنهم يقدسون المجوس تقديساً واضحاً، فعندهم العرق المجوسي هو العرق الأول المفضل.
إذاً: لا شك أن الذين بذروا الرفض هم المنافقون من شتى الديانات، وأغلبهم أصحاب الديانات المشهورة، أولاً: الصابئة المجوسية، ثم اليهودية، ثم الصابئة، ثم النصرانية، وكل هذه الديانات موجودة في الرفض، وأصولها واضحة من خلال أصول الرافضة المشهورة.
أما الأمر الآخر فيما يتعلق بهذا الموضع، هو القول بأن ابن سبأ هو الذي بذر بذور الرفض، هذا الأمر عند التحقيق العلمي قد يكون محتملاً، ولا سبيل إلى الجزم به؛ لأنه لا يلزم من إرجاع الرفض إلى أصوله الكفرية أن يكون من رجل واحد عمل ما عمل، مع أن الراجح أن ابن سبأ فعل ذلك، وإن لم يكن في وقت تصرفاته تلك مشهوراً بـ ابن سبأ، وإنما كان مشهوراً بـ ابن السوداء، وبعضهم يلقبه بـ عبد الله بن وهب، ولا يقصدون عبد الله بن وهب الراسبي الخارجي، إنما يقصدون عبد الله بن وهب الحميري السبائي، وله أسماء أخرى نظراً لتقلبه في كل بلد، فهو في كل بلد يظهر بشكل، فلقب بألقاب، وأهم صفاته التي اشتهر بها في عهد الصحابة أنه كان يسمى: ابن السوداء، وهذا يجرنا إلى الحديث عما ورد عند بعض الباحثين المتأخرين من إنكار أن يكون ابن سبأ حقيقة، ودعواهم أنه أسطورة.
وإنكارهم هذا مبني على تعليق الأحداث بلفظة عبد الله بن سبأ، لكن لو رجعنا إلى ألقابه وأوصافه الأخرى لوجدنا له أصولاً، ورواة الرافضة وعلى رأسهم سيف بن عمر هم الذين أشهروا قصص عبد الله بن سبأ، وأكثرها عن طريقهم، لكن لا يعني أن القصة غير صحيحة؛ لأنهم يروون الصحيح وغير الصحيح، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن شهرة الاسم كانت متأخرة، فقد كان يسمى: ابن السوداء، ويسمى بأسماء أخرى، ولا شك أن علي بن أبي طالب طارد رجلاً فعل هذه الأفاعيل، وادعى هذه الدعاوى، وبذر بذور الإلحاد والكفر الصريح، وادعى عند قوم أن علياً إله إلى آخر القصة، وقام بنشر الرفض الغالي، وهذا معلوم، وقيل: إن علي بن أبي طالب تمكن منه، وقيل: إنه لم يتمكن منه، وقيل: إنه جلده، وقيل: إنه قتله، لكن لا يهمنا هذا بقدر ما يهمنا أصل الحدث والعبرة منه، وهو أن الرفض من صنع المنافقين، ولا يلزم أنه يرجع إلى رجل، ولذلك لما بذرت بذور التشيع دخلها كل كائد للإسلام، ولا يلزم أن يكون من خلال ابن سبأ أو تتلمذ على يده، ومن الطبيعي أنه إذا وجدت أفكار تشق عصا المسلمين، وتفارقهم في العقائد، فإن هذه الأفكار يعتنقها أناس كثيرون، ممن يضمرون الكيد للإسلام والمسلمين، أيضاً هذه الأفكار تتناسب مع أناس لهم ديانات معينة، ويحبون أن يبثوا دياناتهم من خلال هذه الأصول الكفرية أو الأصول البدعية، كما أن الذين وضعوا هذه الأصول لا شك أنهم ليسوا بشخص واحد، قد يكون بدأها شخص واحد، لكن لما بدأها توافرت جهود آخرين من الزنادقة والمنافقين، فكل وضع ما يناسب، ولذلك تجدون تطور الرفض من خلال العصور، حتى بعد ابن سبأ، فقد جاء على حسب رغبات الشعوب، وعلى حسب التأقلم مع الديانات الموجودة دا