حكم الاستئجار على تلاوة القرآن وإهدائه للميت وإهداء القراءة للميت بغير أجرة

وأما استئجار قوم يقرءون القرآن ويهدونه للميت، فهذا لم يفعله أحد من السلف، ولا أمر به أحد من أئمة الدين، ولا رخص فيه، والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف، وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه، مما فيه منفعة تصل إلى الغير، والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله، وهذا لم يقع عبادة خالصة، فلا يكون ثوابه مما يهدى إلى الموتى، ولهذا لم يقل أحد: إنه يكتري من يصوم ويصلي ويهدي ثواب ذلك إلى الميت، لكن إذا أعطى لمن يقرأ القرآن ويعلمه ويتعلمه معونة لأهل القرآن على ذلك، كان هذا من جنس الصدقة عنه فيجوز.

وفي الاختيار: لو أوصى بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره، فالوصية باطلة؛ لأنه في معنى الأجرة.

انتهى.

وذكر الزاهدي في القنية: أنه لو وقف على من يقرأ عند قبره فالتعيين باطل.

وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعاً بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج، فإن قيل: هذا لم يكن معروفاً في السلف ولا أرشدهم إليه النبي صلى الله عليه وسلم؟ ف

صلى الله عليه وسلم إن كان مورد هذا السؤال معترفاً بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء، قيل له: ما الفرق بين ذلك وبين وصول ثواب قراءة القرآن؟ وليس كون السلف لم يفعلوه حجة في عدم الوصول، ومن أين لنا هذا النفي العام؟].

رأي جمهور السلف على خلاف هذا القول، لكن بعض أهل العلم المعتبرين من السلف وغيرهم قالوا بمثل قول ابن أبي العز هنا، وقال به أيضاً بعض المتقدمين والمتأخرين، لكن الراجح هو قول جمهور السلف من أنه لا يجوز القياس في هذا الأمر، ولا يجوز إهداء قراءة القرآن للميت، وكونه لم يرد عن السلف يعتبر حجة؛ لأنه إذا لم يرد فيه نص صحيح صريح بإطلاق ولم يفعله السلف هذا كاف في أن نرده؛ لأنه يدخل في باب الابتداع، وقياس إهداء القرآن على وصول ثواب الحج والصيام والدعاء لا يصح، للاعتبارات التي ذكرتها من قبل، وهي أن هذا الأمر من الأمور التي لا يجب فيها القياس؛ لأن فيه جانب عبادة، وأيضاً هو أمر توقيفي، ومثل هذه الأمور لا بد أن يكون الأصل فيها الدين، ومع ذلك فإن الشارح سينتصر لهذا الرأي ويذكر الأدلة، وكما قلت: المسألة فيه نزاع.

قال رحمه الله تعالى: [فإن قيل: فرسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الصوم والحج والصدقة دون القراءة؟ قيل: هو صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك، بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم، فهذا سأله عن الحج عن ميته، فأذن له فيه، وهذا سأله عن الصوم عنه، فأذن له فيه، ولم يمنعهم مما سوى ذلك، وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك، وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ فإن قيل: ما تقولون في الإهداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل: من المتأخرين من استحبه، ومنهم من رآه بدعة؛ لأن الصحابة لم يكونوا يفعلونه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم له مثل أجر كل من عمل خيراً من أمته، من غير أن ينقص من أجر العامل شيء؛ لأنه هو الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم إليه.

ومن قال: إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده، باعتبار سماعه كلام الله، فهذا لم يصح عن أحد من الأئمة المشهورين، ولا شك في سماعه، ولكن انتفاعه بالسماع لا يصح، فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة، فإنه عمل اختياري، وقد انقطع بموته، بل ربما يتضرر ويتألم، لكونه لم يمتثل أوامر الله ونواهيه، أو لكونه لم يزدد من الخير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015