معنى قول أبي هريرة: (حفظت وعاءين عن رسول الله بثثت أحدهما وأمسكت عن الآخر)

Q جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين بث أحدهما وأمسك عن الآخر، وقال: لو بثثت الآخر لقطع مني هذا وأشار إلى حلقه)

Q ما المقصود بهذا؟ وهل هذا إشارة إلى الفتن التي تكون في الأمة؟

صلى الله عليه وسلم تضمن السؤال شيئاً من الجواب، نعم جاء عن أبي هريرة وعن بعض الصحابة ما يشير إلى ذلك؛ لأن الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم في عموم الدين على نوعين: نوع يدركه عامة الناس، ونوع لا يدركه إلا بعض الناس، وهم الراسخون في العلم، أو يكون من باب الإخبار عن أحوال شخص ائتمن الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة عليه، أو يكون متعلقاً بالفتن التي لم تتحقق، والإخبار عنها يوجد في قلوب عامة الناس شيئاً من الرعب والرهبة وشيئاً من اليأس والقنوط، فيحدث الصحابة بها طلاب العلم والعلماء، ولا يحدثون بها العامة، ولذلك كان الصحابة يعتبون على القصاص أن يتحدثوا بكل شيء، القصاص والوعاظ الذين ليس عندهم فقه في الدين، لكنهم يحفظون النصوص، وعندهم عاطفة، ويحبون الخير، فتجد الواحد منهم يعظ بما يعرف وبما لا يعرف، بما يدرك وبما لا يدرك، فلامهم الصحابة على ذلك، حتى إنهم لما كثر منهم الوعظ في عهد علي رضي الله عنه انبرى لهم هو وغيره ومنعوهم، حتى كان ابن عمر وعبد الله بن الزبير وغيرهما يخرجونهم من المساجد بقوة، مع أنهم يقولون: قال الله قال رسوله، ويتحدثون ببعض الإسرائيليات التي يجوز الحديث عنها، لكن كانوا يحدثون الناس بما لا يعرفون، مثل: أحاديث الصفات عند العامة، ومثل: أحاديث الفتن وغير ذلك، فهذه الأمور تشكل على العامة.

يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟ يعني: أنتم لا تقولون الكذب، لكن أتيتم بأشياء لا يستوعبها الناس.

إذاً: الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بعضها ربما يكون خاصاً ببعض الناس، أو يكون خاصاً ببعض الفتن، أو لا يدركها إلا الراسخون في العلم، أو لا يستطيع أن يحدث بها إلا عالم يستطيع أن يبين للناس وجه الحق، ويزيل عنهم الالتباس، فالذي قال فيه أبو هريرة هذا القول هو من هذا النوع، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015