أولاً: ما يتعلق بما أشار إليه الشارح من أن هناك من السلف والخلف من قال ببقاء الجنة وفناء النار، فهذه مسألة يخلط فيها كثير من الناس، وبعضهم نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وإلى تلميذه ابن القيم القول بفناء النار، وعند تأمل هذه المسألة عند شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومن سبقهما ممن نسب إليه القول من السلف في هذه المسألة، فالمتأمل يجد أن الناس يخلطون بين مسألتين: بين مسألة القول بفناء النار، والقول بانقطاع العذاب، وهما مسألتان منفصلتان.
ثم إنهم يخلطون بين ما يسوقه أهل العلم وبين ما يقولون به، فالقول بفناء الجنة والنار فناء مطلقاً لم يقل به أحد من السلف، وما نسب إلى بعض السلف من القول في النار دون القول في الجنة، فهو القول بانقطاع عذاب النار لا بفنائها، وفرق بين الفناء وانقطاع العذاب، وانقطاع العذاب لا يعني انتهاء مادة النار، إنما يعني انتهاء صورة التعذيب لأهلها على نحو معين، فهم اجتهدوا في سياقه، واستدلوا بعمومات النصوص من أن رحمة الله تسبق عذابه، فلا بد في نهاية الأزمان والآباد التي لا تتناهى أن تسبق رحمة الله عز وجل عذابه، وتعم الرحمة جميع الخلق فتبقى الجنة، وهناك أيضاً من يبقى من أهل النار يعذبون آباداً لا تتناهى، لكن في النهاية يكون لها تناه أبدي، أو بعد سرمدية لا يعلمها إلا الله عز وجل، ويقصدون بذلك انقطاع العذاب.
وهذا القول مرجوح ولا دليل عليه، إلا أدلة عامة ليست أدلة قطعية، فلذلك لا يلتفت إليه كما قال جمهور السلف، فجمهور السلف يقولون ببقاء النار وبقاء آبادها لمن قدر الله عز وجل أنهم لا يخرجون منها، نسأل الله العافية، فهؤلاء لا يخرجون منها ويبقى عذابهم أبد الآباد.
فمن قال: ينقطع عذابها ولا تنقطع النار، إنما هو اجتهاد ليس عليه دليل، وقد ساق هذا الاجتهاد شيخ الإسلام ابن تيمية دون أن يذكر رأيه فيه، فحمّله بعض الناس هذا القول، وكذلك ساقه ابن القيم دون أن يجزم بشيء، بمعنى أنه لم يفنده في بعض المقامات، أو أنه حكاه مجرد حكاية، فظن الناس أنه قوله، لكن عند التحقيق نجد أن قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم هو قول السلف: أن الجنة والنار لا تفنيان ولا تبيدان، وأن نعيم الجنة لا ينقطع، وأن عذاب النار لا ينقطع.
وأن هناك طائفة من خلق الله عز وجل مخلدون في النار لا ينقطع عذابهم أبداً، ممن لم تشملهم رحمة الله عز وجل.
هذا هو قول جمهور السلف ولم يخرج عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ولا ابن القيم، لكن -كما قلت- حكى كل منهما أقوالاً، وربما بعضهم يحكي القول كالمنتصر له في حين أنه يحكيه على لهجة من قالوه، هذا الذي يظهر لي من خلال تأملي لكلام شيخ الإسلام، وله في ذلك رسالة مستقلة حققت وطبعت الآن من قبل الدكتور محمد السمهري، وهي موجودة تباع في الأسواق، في مسألة فناء الجنة وفناء النار، فينبغي الرجوع إليها.