قال رحمه الله تعالى: [قوله: (والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له).
أما قوله: (إن الجنة والنار مخلوقتان) اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل على ذلك أهل السنة، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة، وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا، وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة، وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث؛ لأنها تصير معطلة مدداً متطاولة، فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم].
هناك نصوص تدل على أن الجنة مخلوقة الآن، وكما سيقرر الشارح بعد قليل أن الجنة في أصلها موجودة، وكثير مما فيها موجود مخلوق، لكن قد يكون من بعض أنواع النعيم التي يعد الله بها عباده ما يتجدد خلقه، فالتسبيح الذي هو غرس الجنة، يغرس الله به للعباد جزاءهم، وكثيراً من الأعمال يتجدد جزاؤها في نعيم الجنة بحسب تجدد الأعمال.
فوجود الجنة حقيقي، هذا أمر معلوم، وهي مخلوقة الآن، وكذلك النار مخلوقة الآن وموجودة، وكثير من أنواع النعيم فيها مخلوقة وموجودة، لكن بعض أنواع النعيم يخلق ويتجدد بحسب أعمال العباد كما ورد في النصوص.