Q هل مع ملك الموت ملائكة آخرون يعينونه على توفي الأنفس، كما قال تعالى: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61]، وإذا لم يكن هناك ملائكة يتوفون الأنفس غير ملك الموت، فكيف يكون توفي من يموتون في نفس الوقت وفي أماكن متفرقة، ومن يموتون في مكان واحد في نفس اللحظة؟
صلى الله عليه وسلم أولاً: أمور الغيب لا تقاس بعالم الشهادة.
ثانياً: أن قدرات المخلوقات تختلف ما بين مخلوق ومخلوق، فقدرات ملك الموت أو غيره من الملائكة -مثل جبريل عليه السلام، وميكائيل وإسرافيل وغيرهم- لا تقاس بقدرات البشر أبداً، فلا شك أن الله أعطاهم من القدرات ما لم يعط البشر.
كما أن بعض الخلق عنده من القدرات ما ليس عند البشر، والبشر عندهم ما ليس عنده، والجن عندهم من المقدرة ما ليس عند البشر.
فالجني قد يطلع على أمر لا تحجبه عنه الحجب المادية المحسوسة، في حين أن الإنسان تحجبه الجدران وتحجبه الوسائل التي تحجب المدركات، والجني لا تحجبه هذه الأمور إلا في حدود معينة حددها الله له في أصل خلقه.
فعلى هذا لا يصح أن يرد هذا الاعتراض أو الإشكال في ملك الموت؛ لأن ملك الموت أعطاه الله عز وجل من القدرات ما لم يعط البشر، هذه ناحية.
الناحية الأخرى: أنا لا ندري لعل الله عز وجل يقسم الموتى في الزمن، فاللحظة فيه يمكن أن تقسم إلى ألف قسم.
ثم إن ملك الموت -كما هو معروف- معه فريق من الملائكة، ومع ذلك فإن الله عز وجل أقدره على ما يشاء مما كلفه به، فلا داعي لمثل هذا القول في أمور الغيب؛ لأنها غيب، وعليها نقيس ما ورد في أخبار الغيب من عذاب القبر ونعيمة وأحوال الموتى وأحوال الجن وأحوال الشياطين وأحوال الملائكة، فالشيطان -وهو إبليس- ثبت أنه يوسوس وأن له جنوداً.
فهذه مسائل لا نقيس فيها ما أخبرنا الله به من أمور الغيب وثبت فيه الخبر على عالم الشهادة أبداً.
وكل المقاييس العلمية التي تحت تناولنا لا يمكن أن تحكم أمور الغيب، فإذا ما أيدت الغيب فلا يمكن أن تعارضه أو أن تحكم فيه بما يعارض ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
فعلى هذا يجب على المسلم أن يريح نفسه من هذه الأمور، ويعرف أن الله عز وجل لا حدود لقدرته، وأنه يقدر عباده على ما يشاء من القدرات التي يخلقها ويوجدها.
ونحن نعرف ما حدث لسليمان عليه الصلاة والسلام حينما طلب من بعض مجالسيه من أهل العلم ومن الشياطين ومن الجن ومن البشر، إحضار عرش بلقيس، فعرض عليه العفريت أن يحضره قبل أن يقوم من مقامه، وقال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك، وهذا في اليمن وهذا في الشام في فلسطين، وقبل أن يرتد إليه طرفه كان عرش بلقيس أمامه، فالله عز وجل صرح بأن ذلك بعلم آتاه الله المخلوق، فهذه المسألة وغيرها من المسائل الغيبية، ولا يجوز إثارة مثل هذه الأسئلة فيها.
والإنسان إذا أشكل عليه الأمر عليه أن يسلم بأن كلام الله حق، وأن خبر الرسول صلى الله عليه وسلم حق، ويكفي ذلك.
وأحب أن أنبه على الأدب الشرعي الذي وجه إليه الله تعالى في كتابه بشأن الروح حينما سأل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح، فقال عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]، وهذا فيه توجيه رباني بأن المسلم يجب عليه أن لا يخوض في موضوع الروح على سبيل الجزم.
كما أن الخوض في الروح على سبيل تحديد الماهية يعتبر -والله أعلم- مما نهى عنه الشرع؛ لأن صرف النبي صلى الله عليه وسلم من سألوه عن الحديث عن ماهية الروح يدل على أن هذا مما أمر الله عز وجل بالتأدب به والتزامه، لكن قد يجوز الكلام أحياناً عن بعض خصائص الروح الخارجية التي ورد ذكرها، أو ذكر شيء منها في كتاب الله وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما ماهية الروح فلا يجوز الكلام فيها، أما خصائص الروح وأعمال الروح وما ورد في صفاتها فهذا يجوز الكلام فيه؛ لأنه ورد في الشرع، لكن أيضًا بقدر لا يتجاوز ما ورد في الكتاب والسنة.