قال رحمه الله تعالى: [يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الرافضة، حيث قالوا: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وينادي مناد من السماء: اتبعوه].
الرافضة هم على رأس الفرق التي خالفت المسلمين، وتعمل في هذه الأمور بضد ما عليه أهل الحق، لكن غير الرافضة فيهم شبه منهم، فأكثر أهل الأهواء من سماتهم المخالفة في هذه الأمور، فلا نعرف أن أهل الأهواء يجاهدون مع المسلمين أو مع أئمة المسلمين، ولا يجاهدون إلا في فتنة، ويسمونها الجهاد، فلو نظرنا إلى المعتزلة والجهمية والخوارج وكثير من الفرق الكبرى لوجدنا أن هذا هو منهجهم، لا يقاتلون مع المسلمين، بل يقاتلون المسلمين، فإذا ثارت على المسلمين فتنة سارعوا فيها، ولا تجدهم في الثغور أو في جيوش المسلمين؛ لأنهم لا يرون الجهاد مع أئمة المسلمين.
فأهل الأهواء لا يقاتلون إلا في ألويتهم، ولا نعرف أن ألوية أهل الأهواء ضد الكفار أو لجهاد الكفار، بل ألوية أهل الأهواء دائماً في نحور المسلمين ومن قرأ التاريخ فسيجد مصداق هذا واضحاً جداً طيلة التاريخ الإسلامي.
فأكثر الفرق هم كالرافضة، لكن قد يكون لهم فلسفة أخرى ونظرة أخرى غير نظرة الروافض، فمتى ما حصلت ثورة على أئمة المسلمين شاركوا فيها، أما الرافضة فلا يشاركون إلا تأولاً أو من أجل النكاية، لا لأنه جهاد، ولا يجاهدون إلا مع هذا الموهوم المنتظر الخرافة الذي يسمونه المهدي المنتظر.
قال رحمه الله تعالى: [وبطلان هذا القول أظهر من أن يستدل عليه بدليل، وهم شرطوا في الإمام أن يكون معصوما اشتراطا بغير دليل، بل في صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعته)].
قوله: (خيار أئمتكم) وقوله: (شرار أئمتكم)، يعني: الولاة؛ لأن لفظ (الأئمة) يطلق على صنفين: على الولاة السلاطين، أبراراً كانوا أو فجاراً، وعلى الأئمة في الدين، أئمة العلم، فهذه إمامة وهذه إمامة، وهذه لها حقها وهذه لها حقها، ولا شك أن من ولي أمر المسلمين فهو إمام لهم حتى ولو لم يكن على شروط الإمامة، لا كما يظن بعض الناس الذين يعتقدون جهلاً أنه لا يسمى إماماً إلا إذا توافرت الشروط، فهذا ليس بصحيح، ثم إن من الشروط شروطاً كمالية لم توجد إلا في الخلافة الراشدة.
فمن تولى أمر المسلمين فهو إمام، سواء كان براً أو فاجراً، ومصداق ذلك هذا الحديث، وهو صريح، حيث سماهم أئمة على الحالين، وهذا أمر له اعتباره في القواعد الشرعية، ولذلك بنى الحكم على هذا الاعتبار، فحين قالوا: (أفلا ننابذهم عن ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أيضاًَ قاعدة أخرى مهمة جداً، فقال: (ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله) يعني: يكره ذلك في قلبه، ويناصح إن استطاع، وينكر إن استطاع بالأسلوب المناسب الذي لا يؤدي إلى الفتنة، لكن لا ينزع يداً من طاعة، وما أجهل كثيراً من الناس في هذا العصر من الذين بدءوا يجانبون هذه المسائل ويتهمون من يقول الحق أو يعتقده أو ينهج هذا النهج بأمور ليست مما يجوز أن يتهم فيه المسلمون أو يتراشق فيه المسلمون.
أقول: إن كثيراً من أهل السنة وأهل الحق الذين بقوا على هذا الأصل يكادون يعيشون غربة أحياناً في بعض بلاد المسلمين، بسبب انتكاس مفاهيم المسلمين وعملهم على غير الأصول، فالمسلمون الذين نهجوا مع ولاتهم نهج الخروج والقوة ما أصابوا الحق؛ لأن هذا ليس هو منهج السلف، فمن أنكر عليهم اعتبروه هو المخطئ، وهو الذي يخذل الدين، وهو الذي لا يعرف شيئاً إلى آخره، حتى عاش كثير من أهل الرأي الصائب والقول الرشيد والاعتقاد السديد في غربة الآن في كثير من بلاد المسلمين، فلا بد من تقرير الحق، وأن يكون لطلاب العلم أثر في المسلمين يعملونه، ذلك أن أغلب المصائب التي وقعت على البلاد الإسلامية الآن -خاصة ما يحدث من القتل والتشريد وانتهاك الأعراض وسفك الدماء وما ترونه وتسمعونه من فتنة في بعض بلاد المسلمين- يقوم أصلاً على مخالفة هذا المنهج، بسبب أن طائفة ممن عندهم حماس للدعوة إلى الله عز وجل، وعندهم غيرة على دين الله جهلوا هذا الأصل، فظنوا أن مقتضى الحسبة قتال الحكومات، وهذا خطأ شنيع؛ إذ هو أولاً مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنه مخالفة لنهج الإسلام في الدعوة إلى الله، ومخالفة لأصول الدعوة وللأساليب المشروعة التي شرعها الله عز وجل، ولو أنهم اتقوا الله عز وجل وناصحوا بالتي هي أحسن وعملوا لوجدوا خيراً، وإذا ما وجدوا فالأ