[المسألة الرابعة] :
في قوله (وَبَيْنَ الْأَمْنِ وَالْإِيَاسِ) الأمن كما ذكرت لك هو الأمن من مكر الله واليأس هو اليأ س من روح الله - عز وجل -.
والواجب على المؤمن والمسلم أن يعلم أنَّ الإسلام لا يُقِرُّ الأمن من مكر الله كما لا يُقِرُّ اليأس من روح الله، فهو بين هذا وهذا، فهو أن يسير خائفاً راجيا يخاف من الله - عز وجل - أن يعاقبه، أو أن يستدرجه، وأنه إذا فعل ذنباً فإنه لا ييأس من روح الله - عز وجل -.
وهاهنا مسألة يذكرها أهل العلم: وهي الأمن والإياس والخوف يعني والرجاء أيهما يُغَلَّبْ؟ هل يكون خائفاً أو يكون راجياً؟
وهم متفقون على أنَّ الخوف الذي يُبْلِغُ المرء إلى اليأس فإنه مذموم، وأنَّ الرجاء الذي يُبْلِغُ المرء إلى الأمن من مكر الله فإنه مذموم.
فإذا كان كذلك فهم يبحثون بين الخوف والرجاء ولا يقصدون الخوف الذي يوصل إلى اليأس، ولا الرجاء الذي يوصل إلى الأمن.
اختلف أهل العلم في ذلك كما هو معلوم لديكم في أي الخوف والرجاء يُغَلَّبْ؟
- قالت طائفة يُغَلَّبْ جانب الخوف.
- وقال آخرون يُغَلَّبْ جانب الرجاء.
* والصحيح في ذلك هو التفصيل وهو أنَّ الإنسان لا يخلو في حاله من أحد ثلاثة أحوال:
- إما حال صحة.
- أو حال مرض.
- أو حال قرب للوفاة.
@ فإذا كان في حال الصحة: فيغلب جانب الخوف على الرجاء حتى ينتهي عن الذنوب ولا تَغُرَنَّه صحته في الإقدام على الذنوب والمعاصي واقتحام ما لا يُرْضِي الله - عز وجل -، وكذلك يرجو حتى يعمل ويستمر في العمل، وهذه الحال قال فيها طائفة من أهل العلم: إنه يُسَوِّي بين الخوف والرجاء، وهذا ليس بموضعه كما سيأتي.
@ وإذا كان في حال المرض: فحال المرض ينبغي على الإنسان أن يُغَلَّبْ جانب الرجاء في الله - عز وجل - ويكون أعظم من خوفه؛ لأنه في حالٍ الخوف عنده ولو أُمِرَ بتغليب الخوف خُشِيَ أن يصل به إلى عدم الرجاء في الله - عز وجل -، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم «قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» (?) ويناسب المريض أن يكون راجياً مُغَلِّبَاً على الخوف حتى يَلْطُفْ الله - عز وجل - به.
@ وإذا كان في حال قرب الوفاة: الأفضل للمرء فيها أن يُسَوِّيَ بين الجانبين، أن يكون خائفاً راجياً، وقد جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له -أظنه كان مريضا فعاده- فقال: «كيف تجدك» قال: أجدني أخشى ذنوبي وأرجو رحمة ربي. فقال صلى الله عليه وسلم له «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا إلا أنجاه الله من النار» (?) أو كما جاء في الحديث.
المقصود أنه اسْتُدِلَّ به أنه في هذه الحال أن يُسَوِّيَ المرء بين الخوف والرجاء.