[المسألة الأولى] :
الغلو والتقصير قد يُعَبَّرُ عنه بالغلو والجفاء.
والغلوُّ لفظٌ جاء في الكتاب والسنة، كما قال - عز وجل - {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ} [النساء:171] ، وقال - عز وجل - في الآية الأخرى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة:77] ، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في بعض السنن «بمثل هؤلاء فارموا» لما ذَكَرَ أَنَّ مَسَكَ أو قَبَضَ على حصى الحذف «وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» (?) فنهى عن الغلو صلى الله عليه وسلم.
والغلو كما أنه يكون في الاعتقاد كذلك يكون في العبادة.
وحقيقة الغلو في تعريفه الشرعي: هو الزيادة عما أُذِنَ به شرعاً في السلوك أو في التَّعَبُّدْ أو في الاعتقاد.
يعني في الدين إذا زاد عما أُذِنَ به فإنه يكون غالياً، كما أنه إذا زاد في الإنفاق عَمَّا، أو في الفعل عما أُذِنَ به صار مسرفاً.
أما التقصير فهو: ترك ما أُمِرَ به العبد بأن يُقَصِّر ويجفو ويتبع الشهوات وهو عكس الغلو.
وأولئك يغلون في الاعتقاد أو يغلون في الإثبات أو يغلون في السلوك.
مثاله الخوارج غلوا في جانبين؛ بل في عدة جوانب.
غَلَو في العقيدة: فَضَلُّوا، كَفَّرُوا، وتركوا نهج الصحابة.
وغلوا في العبادة: حتى إنَّ أحد الصحابة يحقر صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم كما جاء في الحديث.
وغلوا أيضاً في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقاتلوا جِهَادَاً من لا يستحق القتال شرعَاً؛ بل من يَحْرُمُ قتاله، حتى آل الأمر بغلوهم أنهم تَعَبَّدُوا بقتل خيار الله - جل جلاله - مثل الصحابة.
فأَكْرَمُ الصحابة وأعلاهم منزلة في زمنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومع ذلك تَقَرَّبُوا إلى الله بقتله؛ بل أساس قتل عثمان هو من فعل الخوارج رضي الله عنه.
قَتَلُوا علياً وهم يتمنون الجنة بقتل عثمان وبقتل علي من شدة غُلُوِّهِم.
وكما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» (?) يعني أهل الشرك.
وأما التقصير فهو حال أهل الشهوات الذين تركوا العبادة وتركوا طاعة الله - عز وجل - ولم يَبْلُغُوا ما أَمَرَ الله - عز وجل - به.
بل هم في تقصيرٍ وغِشيانٍ للشهوات والمحرمات والكبائر ولا يَرْعَونَ ولا يثوبون ولايتذكرون.
هؤلاء يقابلون المتشددين، يقابلهم أهل التساهل والكبائر والذنوب والمعاصي.