[المسألة الخامسة] :
الكِهَانَة والعِرَافَة متنوعة الصور.
ففي الزمن الأول كان لها صور متعددة مثل: الضرب بالحصى، ومثل الخط، هذه لو كانت توجد لَوْحَة لَبَيَّنْتُ لكم كيف يضربون بالحصى وكيف يَخُطُّونْ ويَصِلُون إلى النتيجة بزعمهم ويَتَّضِحْ لك أَنَّهُ دَجَلْ؛ لأنَّهُ لا دليل منطقي ولا سبب كوني ولا شرعي يَدُلُّ على النتيجة التي يَدَّعُونَها.
لكن يُدَجِّلْ على الناس بأن يجعل شيئاً لا يفهمه الناس يَدَّعِي الكاهن أو العَرَّاف أو الضارب بالحصى والرمل إلى آخره يَدَّعِي أنها تَدُلُّهُ على المعلومة، وهو في الحقيقة لا يستدل عليها بالخط ولا يستدل عليها بالخشبة التي يكتب عليها، ولا يستدل عليها بالحصى وإنما هي من الشياطين.
وهذه الأشياء، الصور المختلفة منها ما هو قديم ومنها ما هو حديث في أنحاء شتى لكن كُلُّهَا يُظْهِرُونَ أَنَّهَا سبب وليست بسبب.
وبخصوص الخط فإنهم يَدَّعُون دَجَلاً وكَذِبَاً أَنَّ هذا من عِلْمِ الله لبعض أنبيائه.
وهذا قد يَذْكُرُ عليه بعضهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئِلَ عن الخط كما رواه مسلم في الصحيح قال «كان نَبِيٌّ يَخُطْ فمن وافق خطه فذاك» (?) يعني أَنَّ أصل الخط آية لنبيٍ من الأنبياء، عَلَّمَهُ الله - عز وجل - نبياً من الأنبياء ليكون دِلالَةً على ما يُعَلِّمُهُ الله - عز وجل -، وبقي في الناس لكن لا يوافقون آية النبي؛ لأنَّ آية النبي لا يستطيع أحد أن يفعلها؛ لأنها آية مُخْتَصَّة به، ولو كانت آية نبي تكون لكل أحد لما خُصَّ النبي بالآية.
لهذا كان قال «كان نبي يخط» ثم قال «فمن وافق خطه فذاك» .
قوله «فمن وافق خطه فذاك» هذا من الإحالة على مستحيل؛ يعني أنَّ أَحَدَاً من هؤلاء الذين يَخُطُّونْ والكهنة والعرافين ومن نحا نحوهم لا يمكن لأحدٍ أن يقول هكذا خَطَّ ذاك النبي أو أَنَّ هذه آية من جنس آية ذاك النبي [ ... ] الكهنة والذين يَخُطُّونْ ويَدَّعُون علم الغيب من أنَّ الخط كان عند الأنبياء فَيُرَدُّ عليهم بهاتين الجهتين:
- الأول: أنَّهُ آية وآية النبي لا يمكن لأحدٍ أن يدركها.
- الثاني: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أحَالَ على مستحيلٍ قال «فمن وافق خطه فذاك» ، وهذا لا يمكن لأحد أنْ يُدْرِكَهْ.
لهذا الخط في الرمل والضرب بالحصى والخشب وأنواع ذلك هذه من الصور القديمة وهي موجودة الآن في بعض البلاد، وهي كلها من وسائل الكُهَّان ومن نَحَا نحوهم.
ومن الصور الحديثة التي اختلف فيها العلماء، هل تدخل من الكهانة أم لا تدخل؟، وهل هي من استخدم الجن وعلم الغيب أم لا تدخُل؟ ما يُسَمَّى بالتنويم المغناطيسي.
وهذا له صفته وثَمَّ كتب كثيرة مُؤَلَّفَةْ في ذلك من مختصين في هذا في أوربا وفي مصر وفي لبنان وفيه معاهد تُعَلِّمْ هذا الذي يَدَّعُونَ أَنَّهُ فَنٌ أو علم من العلوم.
وقد أفتت اللّجنة الدائمة عندنا في فتوىً مشهورة مُطَوَّلَة بأنَّ التنويم المغناطيسي ضَرْبٌ من ضروب الكهانة واستخدام الجن ليتسلَّطَ -بحسب ما عَبَّرُوا- الجني على الإنسي فيَحْمِلُهُ ويَرْتَفِعْ عن الأرض ويُخْبِرْ بأمورٍ مُغَيَّبَة ويتسلط على نفسه وعلى روحه فيكون له عليها سلطان.
وثَمَّ صور كثيرة، واليوم في عدد من البلاد -والعياذ بالله- ثَمَّ معاهد لتعليم عددٍ من هذه الأمور المنكرة، والواجب على المسلمين جميعاً أن يُنْكِرُوا هذا أشد الإنكار، لأنه:
- أولاً: تَهَجُّمٌ على ما يختص الله - عز وجل - به.
- ثانياً: لأنَّهُ لا يكون إلا بالإشراك بالله - عز وجل - إذا صَدَقَ استخدامهم للجن.
- ثالثاً: إنه فتحٌ لباب الدَّجَلْ وباب الكذب على الناس وأخذ أموال الناس بالباطل.
وما يأخُذُهُ المُتَكَهِّنْ من المال فهو حرامٌ عليه وخبيث كما جاء في الحديث الصحيح «حُلْوانُ الكاهن خبيث» (?) يعني أنه كَسْبٌ مُحَرَّمٌ خبيث.
(وقد جاء غلام عند أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأعطاه طعاماً فأكله أبو بكر رضي الله عنه، ثم قال الغلام: أتدري من أين هذا؟
قال: لا.
قال: كنت تَكَهَّنْتُ -يقول غلام أبي بكر لبي بكر رضي الله عنه- يقول: كنت تَكَهَّنْتُ لرجلٍ في الجاهلية فأعطاني هذا الحلوان، فجعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه يُدْخِلُ أصبعه في فيه حتى قَاءَ كل ما في بطنه) (?)
فهذا من حيث الكسب حرام، ومن حيث السؤال حرام، وذلك لعِظَمِ هذا الذنب، فإنه لا يجوز إقْرَارُهْ ويجب على من يقدر على إنكاره أن يُنْكِرْ، وعلى أهل الحسبة ومن يلي هذا الأمر بخصوصه أن لا يتساهلوا في ذلك، وكذلك على الدعاة إلى الله - عز وجل - وأهل العلم أن يُبَيِّنُوا ذلك لأنه من مسائل التوحيد.
نكتفي بهذا القدر، وثَمَّ مسائل أخرى متعلقة بالجملة الأخرى هي قوله (وَلَا مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ.) نرجئها إن شاء الله تعالى إلى الدرس القادم.