[المسألة الثالثة: توضيح قول الطحاوي (وذرياته المقدسين من كل رجس) ]

[المسألة الثالثة] :

في قوله (وَذُرِّيَّاتِهِ الْمُقَدَّسِينَ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ) يعني بكلمة (الْمُقَدَّسِينَ) المُطَهَّرِين لأنَّ التَّقْديس معناه التَّطهير، (الأرض المُقَدَّسة) يعني الأرض المُطَهَّرَة.

وهنا نَوَّعْ العبارة مع أنَّهُ لم يأت في الكتاب ولا في السنة وصف ذرية النبي صلى الله عليه وسلم بالقُدْسِيَة أو أنَّهُم مُقَدَّسُون وإنما استعمل ذلك في المعنى لثبوت المعنى وهو التطهير في قوله {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} .

لهذا قال بعدها (الْمُقَدَّسِينَ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ) إلْماحاً للآية وأنَّهُ يريد بالتقديس هنا التطهير من كل رجسٍ الذي هو الإثم والعيب.

وذُرِّيَات النبي صلى الله عليه وسلم:

- منهم من انقطع النَّسْلْ وهم أولاده صلى الله عليه وسلم وأولاد بناته الذين انقَطَعَ نسلهم.

- ومنهم من بَقِيَ نسله إلى اليوم وهم الذين يُسَمَّونَ بآل البيت.

وآل البيت الموجود الآن في الغالب من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب، ومنهم القليل من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب.

ومن ينتَسِبُ إلى الحسين أو إلى الحسن، فإنَّهُ في الغالب عندهم صكوك نسبة يَسْرِدُونَ فيها النِّسَبْ إلى الحسن أو الحسين، يعني إلى علي بن أبي طالب وإلى فاطمة الزهراء.

وهذه النِّسَبْ سواءٌ اطّلع عليها المسلم أو لم يَطَّلِعْ عليها فإنَّ اعتقاده في جنس الذرية الذين طَهَّرَهُمْ الله - عز وجل - من الرجس، ولا يُنْسَبُ لِمُعَيَّنٍ من الذرية بأنَّهُ مُطَهَّرٌ من كل رجس.

يعني أنَّ المسلم يُحْسِنُ القول في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم الذين شُهِدَ لهم بالتطهير من الأرجاس في الآية، وهذه شهادةٌ عامة وهي خاصَّةٌ بأهل ذاك الزمان، وما تَسَلْسَلَ الزمان ما بَقُوا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنَّ مِنَ المعلوم أنَّ القَرَابَة وحدها ليست بسببٍ كافٍ في نزع الآثام أو ثبوت التَّوَلِّي فقد يرتد القريب وقد يفْسُقْ وقد يكون كذا وكذا.

لكن من كان منهم صالحاً فله حق التقديم وله حق التبجيل وله حق الاحترام -يعني أعظم من غيره- لمكانِهِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُبْحَثُ في مثل هذه المسائل في الأنساب؛ لأنَّهُ كما قال الإمام مالك رحمه الله (الناس مُؤْتَمَنُونَ على أنسابهم) (?) .

فلا يُبْحَثْ عن النَّسَبْ وإنَّمَا من كان صالحِاً فَيُصَدَّقُ بظاهره، ومعيار صِدْقِهِ المحافظة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أصل الأصول وهو التوحيد والعقيدة ثُمَّ في البراءة من البدع ونحو ذلك.

قد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنَّهُ قال «ثنتان أمتي من أمر الجاهلية لا يدعونهن: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت» (?) وهذا يحصل كثيراً الحقيقة في اختلاط بمن يَنْتَسِبُ إلى آل البيت لأنَّهُ قد يأتي آتٍ ويطعن في النَّسَبْ.

وهذا لا يجوز شرعاً أن يُخَاضَ في مسألة النَّسَبْ إلَّا من شاعَ وانتَشَرْ وظَهَرْ أنَّهُ مقدوحٌ في نَسَبِهِ فهذا أمر آخر، لكن يُشَكَّكْ في النسب فهذا أمرٌ لا يعني.

المقصود الاستقامة والناس مؤتمنون على أنسابهم، ومن لم يكن مستقيماً منهم فله الحق أن يُدْعَى له بالاستقامة والهداية ومغفرة الذّنب ونحو ذلك لأجل منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015