[المسألة الثانية] :
خلافة أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وبيعة أبي بكرٍ الصديق تمت في سقيفة بني ساعدة في القصة المعروفة حيث اختلف المهاجرون والأنصار، ثم آل الأمر إلى أن يكون الخليفة من قريش لقوله صلى الله عليه وسلم «الأئمة من قريش الخلافة فيكم» (?) يعني في قريش ثُمَّ قُدِّمَ أبو بكر للأدلة التي ذكرنا، واجتمع المسلمون على بيعة لأبي بكر.
ومنهم من المسلمين مِنَ الصحابة مَنْ حصلت منه البيعة التي هي التزام لهذا الإمام ولهذا الخليفة بالمبايعة اللفظية دون المبايعة بصفقة اليد، وهذا كما حصل من علي رضي الله عنه ومِنْ طلحة بن عبيد الله، فإنهما -وهناك معهم آخرون- لم يبايعوا مباشرة بصفقة اليد وإنما بايعوا لمَّا بايع أهل الحل والعقد.
ومعلومٌ أنَّ المبايعة قسمان:
- بيعة لأهل الحل والعقد ومن استطاع من المسلمين أن يبايع بصفقة اليد والعهد.
- والبقية يبايعون بيعةً شرعية باللسان أو باعتقاد القلب بالتزام طاعة هذا الخليفة وهذا الإمام.
وعلي رضي الله عنه ومن معه قال طائفة: إنهم لم يبايعوا إلا بعد ستة أشهر أو بعد بضعة أشهر أو ثلاثة أشهر أو أكثر أو أقل وأنَّهُم لم يكونوا يرتضون تلك البيعة الأولى.
وهذا غلطْ كبيرْ بل عليٌ رضي الله عنه قد بايع ولكنه لم يَقْدَمْ على أبي بكر حتى تُوُفِّيَتْ فاطمة، وكذلك طلحة بن عبيد الله تأخر في إعطاء أبي بكر الصديق ثمرة القلب وصفقة اليد في البيعة.
وهذا التأخر له أسباب من أهمها:
1- السبب الأول: أنَّ علياً وطلحة من العشرة ومن المُقَدَّمِين وقد أُخِّرُوا أو لم يُدْعَوا أو لم يأتوا إلى الشورى -السقيفة- وفي اجتماع الأمر، فرأوا أنهم لمَّا لم يكن لهم الأمر في الشورى أنهم حينئذ ليسوا من أهل الحل والعقد فلا يلزم أن يستعجلوا في إعطاء البيعة بصفقة اليد.
2- السبب الثاني: أنَّ علياً رضي الله عنه رَاعَى فاطمة فيما كان في شأنها -إن صَحَّتْ الحكاية- فيما كان في نفسها في تأخير بعض الميراث، وأبو بكر رضي الله عنه أخَذَ بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إنا لا نُورَثْ ما تركناه صدقة» (?) وكان عليٌ رضي الله عنه يُراعي حال فاطمة لأنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يقول في شأنها «إنما أنت بضعَةٌ مني يؤذيني ما يؤذيك» (?) ، فَتَأَخَّرَ عليٌ لسبب ليس براجع إلى أحقية أبي بكر بالخلافة ولا إلى أحقيته بالبيعة بل إلى مسألةٍ يرى أنَّهَا الأفضل في مراعاته لفاطمة أو لأنه لم يكن من أهل الشورى فلا تلزمه المبادرة مع حصول بيعته لأبي بكر، حيث ذكر هُوَ أنَّ المسلمين والصحابة أجمعوا على خلافة أبي بكر.
3- السبب الثالث: أَنَّ التأخر قد يحصل، والتأخر أو التقدم ليس أمراً قادحاً في استحقاق أبي بكر للخلافة ولا إلى إجماع الناس عليه؛ لأنَّ التأخر -كما ذكرتُ لك- مَرَدُّهُ إلى ترك الأفضل من البَيعتَينْ وهو بيعة اليد، فإذا حصلت البيعة الواجبة وهي بيعة الاعتقاد، بيعة الالتزام بمبايعة المسلمين وارتضائهم، حصل القصد الشرعي، والأمر الثاني يمكن أن يكون له أكثر من سبب فلا يُجعَلْ قادحاً لا من جهةٍ علمية ولا من جهة أيضاً عملية.
لهذا من نَقَلَ أَنَّ علياً رضي الله عنه أو طلحة أو نحو ذلك لم يكونوا يرتضون خلافة أبي بكر أو أنَّهُم جاملوا لمَّا رأوا الأمر استقر وأنَّ علياً كان الأحق ونحو ذلك، هذه كلها أقوال هي من أقوال أهل الرِّفْضْ والبدع الوخيمة.
ولا يصح في هذا شيء عن صحابي أصلاً في أنه يقدم نفسه لا في الفضل ولا في الخلافة على أبي بكر رضي الله عنه؛ بل المسلمون تبعٌ لأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.