[المسألة الأولى: خلافة أبو بكر ثبتت بالنص الجلي]

[المسألة الأولى] :

أنَّ خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أَجْمَعَ عليها أهل السنة والجماعة؛ بل وغيُرهُم من الخوارج والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والمتكلمين وسائر الفرق عدا الرّافضة ومن نحا نحوهم.

فخلافة أبي بكر الصديق وأنَّهُ هو المستحق للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرٌ أجْمَعَ عليه هؤلاء، واختلفوا في مأخَذِ الخلافة وأحقية أبي بكر بالخلافة:

هل لأنَّ خلافته ثبتت بالنص الجلي؟

أو أنها ثبتت بالنص الخفي؟

أو أنها ثبتت بالاختيار واتفاق واختيار الصحابة؟

على ثلاثة أقوال:

1- القول الأول: أنَّ خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثبتت بالنص الجلي، ويعنون بالنص الجلي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى خلافته وأَوْضَحَ أنَّهُ الأحق بعبارات مختلفة وأدلةٍ متنوعة بدلالات قولية وفعلية يحصل من مجموعها التنصيص على أنَّ الذي يلي الناس بعده صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر.

وهذا القول هو الذي عليه جماعة كثيرة من أهل الحديث، وهو قول الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل وأصحابه الحنابلة وطائفة كبيرة من الشافعية، وهو اختيار أيضاً ابن حزم وجماعة من الظاهرية.

وهو الذي حرَّرَهُ المحققون أيضاً كشيخ الإسلام ابن تيمية وكغيره فإنه قال:

والتحقيق أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دلَّ على خلافة أبي بكرٍ الصديق بدلالات كثيرة من قوله وفِعْلِهْ صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذكر بعضها إن شاء الله.

2- القول الثاني: أنَّ خلافة أبي بكر ثبتت بالنص الخَفِيْ، يعني بالدليل الخفي والإشارة، فهذا هو الذي ذهب إليه الحسن البصري، فقال حينما سئل: هل كانت ولاية أبي بكر بالنص عليه؟

فقال (لقد كان أبو بكر الصديق اتقى لله من أن يَتَوَسَّدَ عليها) ، يعني الخلافة.

وذهب إلى هذا أيضاً جماعة من أهل الحديث بأنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة والدليل، ويعنون بذلك ما أرشد إليه صلى الله عليه وسلم من تقديم أبي بكر في أمر الدنيا وفي أمر الدين في الصلاة وفي صحبته له وفي بيان فضله وعدم تقديم غيره عليه؛ يعني في الفضل.

3- القول الثالث: أنها ثبتت بالاختيار ويُعْنَى بذلك اختيار المسلمين له رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة، وإلا فعند هؤلاء لم يكن ثمََّ نص وإلا لاحتجوا به عند الخلاف.

وهذا ذهب إليه أيضاً كثير من أهل الحديث وطائفة من الحنابلة وهو رواية عن الإمام أحمد.

وهو مذهب المعتزلة الأشاعرة والماتريدية وأهل الكلام فإنَّهُم يرون أنها إنما ثبتت بالاختيار.

* والصحيح من هذه الأقوال هو القول الأول، وهو أنها ثبتت بالنص الجلي الذي لا يحتَمِلُ غَيْرَهُ.

ويدلّ على هذا عدد من الأدلة:

& الدليل الأول: هو أنَّ أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل الأمة حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة جميعاً لم يكن أحد منهم يُقَدِّمُ أحداً من الصحابة على أبي بكر في الفضل.

ومعلومٌ أنَّ فضله رضي الله عنه كان بنص القرآن ونص السنة على تقديمه على غيره في الفضل وأنه اخْتُصَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم في القرآن في قوله {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة:40] ، وفي قوله «هل أنتم تاركي لي صاحبي» (?) وفي قوله «لو اتخذت خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» (?) وفي قوله «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» (?) -وهو دليل لمسألةٍ تأتي- ونحو ذلك من الأدلة التي فيها بيانُ فضله.

والمسلمون لمَّا مات النبي صلى الله عليه وسلم لم بكن أحدٌ منهم يُقَدِّم أحداً في الفضل في أبي بكر، ومعلومٌ أنَّ الإمامة تكون للأفضل.

والفضل له شُعَبْ منها الفضل في الدين، والفضل في العلم، والفضل في التقوى، ونحو ذلك، وكذلك أن يكون قرشياً في إمامة الاختيار وهذه كلها كانت موجودة في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

فالتنصيص على أنَّ أبا بكر هو أفضل هذه الأمة بمجموع أدلة كثيرة بالتنصيص على فضله وأنَّهُ أفضل وعلى اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وسلم يدلُّ على أنَّ الأفضل هو الأحق بالخلافة.

هذا تنصيص على أنّ أبا بكر هو الذي توجد فيه شروط الخلافة.

& الدليل الثاني: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا مرض مرضه الأخير أمَرَ الناس أن يُقَدِّمُوا أبا بكر فقال «مروا أبا بكر فليصلي بالناس» (?) قد قال بعض الصحابة: إذا ارتضاه رسول الله لديننا أفلا نرتضيه لدنيانا. يعني أنَّ تقديمه في الإمامة الصغرى وهي إمامة الصلاة دليل؛ بل هي نَصٌّ على أنَّهُ هو الأحق بالتقدم في الإمامة العظمى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015