الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
س1/ كثير من الإخوان -جزاهم الله خيرا- إذا ما وقع بينهم خلاف في مسألةٍ ما إما فقهية أو غيرها وأُنْكِرَ عليهم شِدَّةْ الخلاف بينهم، قالوا: الصحابة اختلفوا فما بالك بحالنا؟
ج/ أولاً هذا ليس مما يسوغ أن يُذْكَرْ هذا عن الصحابة ويُجْعَلْ اختلاف الصحابة حُجَّةً مُطْلَقَاً لاختلاف غيرهم.
الصحابة رضوان الله عليهم أولاً لم يختلفوا ولله الحمد في بابٍ من أبواب العقيدة والتوحيد والأصول وإنما اختلفوا في بعض المسائل الاجتهادية كالمسائل الفقهية وبعض مسائل الإمامة التي كانت في زمنهم لها تأويلها.
ثُمَّ إنّ من القواعد المقررة عند أهل السنة كما كتبوا في عقائدهم أنَّنَا نحمل جميع أعمال الصحابة وأقوال الصحابة وأفعال الصحابة على إرادة الخير وعلى أنهم لم يقصدوا إحداث الخلاف ولا الانتصار للنفس، ولم ويذهبوا إلى النزعة القبلية أو نزعة علو الشأن أو نزعات الدنيا وإنما كان لهم في ذلك تأويلات، وربما دخل بعض هذه المطالب كشيءٍ من الدنيا دَخَلَ في تأويل الدين، ولم يكن يُقْصَدْ أساساً، فلم يكن في الصحابة ولله الحمد ممن يشار إليهم وحصل منهم الخلاف لم يكن منهم من يقصد الدنيا فقط محضة، وإنما يريدون الدين وربما يدخل في شيء من ذلك بعض استمساك بأمور الدنيا التي لهم فيها تأويل سائغ.
ولهذا لا يسوغ أن يحتج (?) أحد إذا اختلف مع غيره باختلاف الصحابة مطلقاً، وإنما في بعض الوسائل إذا اختلف فيها الصحابة فالخلاف يسع من بعدهم إذا كانت من المسائل التي ليس فيها دليل واضح، أما إذا كانت المسالة فيها نص أو فيها دليل ظاهر من الكتاب أو من السنة فأقوال الصحابة بين راجحٍ ومرجوح إذا اختلفوا، فالله - عز وجل - أمرنا أننا عند التنازع والاختلاف أن نرد إلى الله - عز وجل - وإلى الرسول {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ، وهذا هو الذي يجب أنَّهُ يُرَدْ للدليل، فإذا لم تظهر دلالة الدليل في المسائل فإنَّ في اختلاف الصحابة سعة إذا اختلفوا، وهم لم يختلفوا ولله الحمد في التوحيد ولم يختلفوا في العقيدة ولم يختلفوا في أصول الدين، وإنما اختلفوا في بعض مسائل اجتهادية معروفة، ولهم فيها تأويل وكل يقوم بحجته وأقوال ما بين راجح ومرجوح رضي الله عنهم وأرضاهم.