س1/ ذكرتم أنَّ مسائل الصحابة ليست في الأصل من مسائل الاعتقاد، وفي الحديث «حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق» فهل ثَمَّ فرق بين كونهم من الإيمان وكونها أنها ليست مسائل الاعتقاد؟
ج/الإيمان شُعَبُهُ كثيرة «الإيمان بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة» (?) فمنها ما يدخل في مسائل الاعتقاد ومنها ما لا يدخل.
فأصل حب الصحابة هي مسألة حب، موالاة، وهذه ليست من العقيدة لأنَّ أصل العقيدة ما يتعلق بمسائل الغيب ثُمَّ دخل فيها ما يتميز به أهل السنة عن غيره، فأصل العقيدة الذي يدخل في أركان الإيمان الستة: الاعتقاد في الله ربوبيته إلهيته الأسماء والصفات في الملائكة في الكتب والرسل اليوم الآخر والقدر هذه العقيدة، مسائل الإيمان في نفسها، أما المسائل الأخرى المُلْحَقَة هذه لأجل المُخَالفة، وصارت من العقيدة، وكونها من الإيمان هذا حق الإيمان ليست كل مسائله مسائل اعتقاد.
س2/ أراني أجد شيئاً في نفسي على معاوية رضي الله عنه من حيث موقفه، لا سيما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار «تقتلك الفئة الباغية» (?) فهل عَلَيَّ في هذا إثم، مع العلم أني لا أتكلم بذلك ولا أتحدث به؟
ج/ نعم عليك إِثْمْ في ذلك إذا كان العلم سهلاً عليك أن تتحصل عليه وأن تَجْلُوَ هذه الشبهة، وتَبْقَى وأنت لا تَجْلُوَ هذه الشبهة عندك، كون الشيء يكون في نفس الإنسان وليس عنده وسيلة لكشفه ولا وسيلة لتعلم ما يدفع عنه هذه الشبهة وتسويل الشيطان، هذه قد يُعْذَرُ معه؛ لكن إذا كان العلم قريباً والكتب موجودة وأهل العلم الذين يكشفون الشُّبَه موجودون فهذا يأثم الإنسان بالتقصير ويأثم على بقاء هذا الشيء في نفسه.
ومعاوية رضي الله عنه فَعَلَ فيما فَعَلَ أداءً لواجب شرعي يراه أنَّهُ مُتَقَدِّم على مسألة البيعة، وهو أنَّ دَمَ عثمان سُفِك رضي الله عنه، وهو وليه، هو ولي الدم، هو ذو القرابة من عثمان، وولي الدم لا بد أن يُسَلَّمْ من قَتَلْ، تحقيقاً لقول الله - عز وجل - {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء:33] ، وكذلك الآيات التي فيها القصاص وأنَّ الولي {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] ، فمعاوية رضي الله عنه أراد أخذ الحق الذي جعله الله له والانتصار من قتلة عثمان، وسفك دم عثمان، لاشك أنَّ دم عثمان إذ ذاك هو أطهر دَمٍ لإنسان سُفِكْ، فالانتصار لعثمان رضي الله عنه واجب، وعلي رضي الله عنه أخَّرَّ بحث دم عثمان حتى لا تذهب بيضة الإسلام وبيضة أهل الإسلام لأنَّ هؤلاء الخوارج الذين جاؤوا أرادوا الفتنة العظيمة، فأراد أن يستقر الأمر ثم يُسَلِّمْ القَتَلَةْ لمعاوية؛ لكنه لم يفهم هذا؛ يعني اختلف الاجتهاد فلم يفهم هذا مع سعي الخوارج في الإعلام الفاسد، فَسَعَوا في التفريق ما بين هؤلاء، ينقلون لمعاوية أخبار عن علي ولعلي أخبار عن معاوية، والحققية الصحابة كلُّهُم هدفهم واحد في ذلك وهو حفظ بيضة الاسلام والانتصار من قتلة عثمان، لكن حصل ما حصل.
فمعاوية رضي الله عنه مجتهد يريد أن يأخذ بحقه الشرعي؛ لكن الصواب مع علي؛ لأنَّ بيعة علي واستقامة أمر الناس في الخلافة وعدم حصول القتال هذا هو الواجب والحق مع علي في ذلك، ومعاوية رضي الله عنه مجتهد مأجورٌ على اجتهاده ولكنه مُخْطِئ في ما اجتهد فيه في ذلك ولكن هو مأجور.
والإنسان لا يُبْغِضُ من اجْتَهَدَ أو يجد في نفسه شيئاً على من اجتهد في الحق، وإن كان أخطأ، فإنَّهُ إذا اجتهد في الحق وتَحَرَّاه، فإنَّ هذا هو الذي يجب عليه، ومعاوية رضي الله عنه به استقام المسلمون وحُفظت البيضة بعد علي رضي الله عنه، فالناس في زمن علي كانوا متفرقين ولم يستقم الأمر لعلي في الخلافة ولم يجتمع الناس عليه.
ثُمَّ لمَّا حصل تنازل الحسن ابن علي في الولاية لمعاوية رضي الله عنهم أجمعين وحصل هذا الاجتماع العظيم في سنة إحدى والأربعين في العام الذي سُمِيَّ عام الجماعة يعني عام اجتماع الناس، حصل غيظ العدو، حتى الخوارج هربوا بعد أن كانت لهم الصولة وكانوا يُفَرِّقُون وسُفِكَتْ من دماء الصحابة ودماء التابعين ما سُفِكْ؛ ولكنهم لما اجتمع الناس كان أول من اندحر هؤلاء الخوارج أخزاهم الله.