[المسألة الخامسة] :
قوله في آخر الكلام (ذلك بأنَّهُ على كلِّ شَيْءٍ قديرٌ، وكلُّ شَيْءٍ إليهِ فَقِيرٌ، وكلُّ أمْرٍ عَلَيْهِ يَسيرٌ. لا يحتاجُ إلى شَيْءٍ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ) هذا تعليل لما مرّ.
(ذلك بأنَّهُ على كلِّ شَيْءٍ قديرٌ) على إحياء الموتى وعلى إفنائهم، وعلى رَزق المخلوقات وجميع ذلك.
وقوله (ذلك بأنَّهُ على كلِّ شَيْءٍ قديرٌ) تتعلق به المسألة الخامسة هذه.
وهي أنّ أهل السنة يجعلون قدرة الرب - عز وجل - متعلقة بكل شيء، واسم الله القدير متعلق بكل شيء، وقدرة الله - عز وجل - غير محصورة، بل هو سبحانه قادر على ما شاء وعلى ما لم يشأ - عز وجل -.
وهذا هو مذهب أهل الحديث والسنة، وبه جاء القرآن العظيم، فكلّ ما في القرآن تعليق القدرة بكل شيء {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف:45] ، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء:133] ، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ونحو ذلك من الآيات التي فيها تعليق القدرة بكل شيء.
أهل البدع وأهل الكلام يُعلِّقون القدرة بما يشاؤه الرب - عز وجل -.
فيقولون تَعَلُّقْ قدرة الرب - عز وجل - بما يشاؤه.
ولذلك ترى أنه يعدلون عما جاء في القرآن، بقول {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} إلى قولهم والله على ما يشاء قدير؛ لأن القدرة عندهم متعلقة بما شاءه الله وليست متعلقة بما لم يشأه.
فعندهم قدرة الله تتعلق بما شاء أن يحصل أما ما لم يشأ أن يحصل فإنه لا تتعلق به القدرة.
فإذا قيل هل الله قادر على أن لا يُوجَدْ إبليس؟ فيقولون: لا غير قادر.
هل الله قادر على أن لا توجد السموات؟ يقولون: لا، غير قادر. لأنّ القدرة عندهم متعلقة بما شاءه - عز وجل -، وما لم يشأه في كونه وفي ملكوته مما لم يحصل بعد أو مما حصل خلافه فإنّ القدرة غير متعلقة به.
* ولذلك فيقول قائلهم: ليس في الإمكان أبدع مما كان.
لأنَّ القدرة عندهم متعلقة بما شاءه الله - عز وجل -.
وهذا القول باطل بوضوح وذلك لدليلين:
1 - الدليل الأول: فإن الذي جاء في القرآن كما ذكرنا لك، تعليق القدرة بكل شيء في الآيات التي ذكرت لكم طرفا منها.
2 - الدليل الثاني: أنَّ الله - عز وجل - قال في سورة الأنعام {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:65] ، ولما نَزَلَتْ هذه الآية تلاها ? فقال {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال ? (أعوذ بوجهك) ثم تلا {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} فقال ? (أعوذ بوجهك) ثم تلا {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال ? (هذه أهون) (?) .
والله - عز وجل - لم يشأ أن يبعث على هذه الأمة عذابا من فوقها أو من تحت أرجلها، فيُهْلِكَكُم بسَنَةٍ بعامّة، بل جعل بينهم بأسهم شديد، لحكمته سبحانه وتعالى العظيمة العلية.
فدلت الآية على أنّ قدرة الله - عز وجل - تتعلق بما لم يشاء أن يحصل {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} ، وهذا لم يشأه الله - عز وجل - ومع ذلك تعلقت به القدرة.
* وهذه من الكلمات التي يكثر عند أهل العصر استعمالُها فليتنبه أنها من آثار قول أهل الاعتزال.
في بعض الأحاديث جاء (والله على ما يشاء قادر) و (إني على ما أشاء قادر) (?) وهذا الجواب عنه معروف بأنه متعلق بأشياء مخصوصة، وليست تعليقا للقدرة بالمشيئة، أو أن يقال قدرته على ما يشاء لا تنفي قدرته على ما لم يشأ - عز وجل -.
نكتفي بهذا القدر، وأسأل الله - عز وجل - لي ولكم التوفيق والسداد.
في هذا القدر كفاية وإن شاء الله نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله وفقكم الله جميعا. (?)