[المسألة الثانية: ضب الله ورضاه متعلق بمشيئته وقدرته، وذكر مذاهب المخالفين في ذلك]

[المسألة الثانية] :

في قوله (يَغْضَبُ وَيَرْضَى لاَ كَأحَدٍ مِنَ الوَرَى) ، الغضب والرضا من الصفات التي يتّصف بها الرب ? إذا شاء.

فَغَضَبُهُ سبحانه ورضاه متعلّق بمشيئته وقدرته.

الغضب يحِلُّ ثمّ يزول، والرضا يحِلُّ ثُمَّّ يزول، وهكذا، يعني أنَّ الغضب ليس دائماً والرضا ليس دائماً وإنما هذا مُرْتَبِطٌ كجنسه في الصفات الفعلية بمشيئة الله وبقدرته.

وهذا هو الذي قَرَّرَهُ أهل الحديث والأثر وأئمة أهل السنة واستدلوا لذلك بقول الله ?: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:81] ، فدلَّ على أنَّ الغضب يحِلّ بعد أن لم يكن حالَّاً، وحُلُولُهُ يَدُلُّ على أنّه متعلق بمشيئة الله ? لأنَّهُ ما شاء الله ? كان.

فإذا شاء الله أن يغضب فإنه سبحانه يغضب وإذا شاء أن يرضى فإنه ? يرضى.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «أُحل عليكم رضواني فلا أسخط بعده أبدا» ، دلَّ على أنَّ أهل الجنّة مَنَّ عليهم ? بأنه أحَلَّ عليهم رضاه فلا يسخط بعده عليهم أبداً، وهذا يدل على أنَّ الرضا متعلق بمشيئة الله ? وإرادته وقدرته سبحانه وتعالى.

هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في أنَّ الغضب والرضا صفات فعلية اختيارية للرّب ? ومن جنسها صفة المحبة والسَخَطْ والوَلَايَةْ والعداوة وأشباه ذلك فإنها تختلف ومتعلقة بمشيئة الله وقدرته.

أما مذاهب المخالفين في هاتين الصفتين بخصوصهما:

@ فإنَّ الجهمية ومن شابههم ممن ينفون الصفات أصلاً يجعلون الآيات والأحاديث التي فيها ذِكْرْ الغضب أو فيها ذِكْرْ الرضا أنَّهَا أسماء للشيء الذي سُمِّيَ غَضَبْ، يعني العقوبة هي الغضب والنعيم هو الرضا.

فعندهم أنَّ هذه الأشياء مخلوقات منفصلة متعلقة بمن قيل عنه: إنه غُضِبَ عليه أو رضي الله عنه.

فإذا نَعَّمْ فهذا رضاه، يعني نفس النعيم هو رضا الله ? ونفس العقوبة هي الغضب، وهذا مذهب الجهمية ومن شابههم.

@ أما الكلابية وهم أوَّلْ من نفى هذه الصفات لأجل نَفْيِ تَعَلُّقِهَا بمشيئة الله وقدرته وتعليلهم لذلك بأنَّ إثباتها يقتضي أنّه ? محلَّاً للحوادث.

ولهذا ذهبوا إلى أنَّ غضب الله ? واحد وأنَّ رضاه واحد، فغضبه عندهم قديم، من غَضِبَ عليه فإنه لا يرضى عليه أبداً، ومن رضي عنه فإنه لا يغضب عليه أبداً.

فعندهم أنَّ غضب الله ? ليس له تَعَلُّقْ بعمل العبد أو بعمل العبيد وأنَّ رضاه ليس متعلقاً بعمل العبد أو بعمل العباد، وإنما هو شيءٌ واحد.

ولهذا يقولون إنه مَنْ كان مِنْ أهل الجنة في العاقبة فإنه مَرْضِيٌ عنه ولو كان حال عبادته للوثن، ولو كان حال زناه، شربه للخمر -يعني قبل أن يُسلم-، ومن غَضِبَ الله عليه وكانت خاتمته النار والعذاب فإنه مغضوبٌ عليه ولو في حال صلاته وخشوعه وبكائه بين يدي الله في حال إسلامه.

وهذا يعني:

1 - أنَّهُ إبطال للصفة.

2 - ثُمَّ أنَّهُ لا معنى حِيْنَئِذْ عندهم لكتابة الحسنات للمسلم ولكتابة السيئات على الكافر في حال إيمان الأول وكفر الثاني؛ لأنَّ الإنسان إذا أسلم فإنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبله، فكيف يكون مَرْضِيَّاً عنه والملائكة تكتب عليه السيئات.

ثُمَّ هذا المسلم يكون خاشعاً تُكْتَبُ له الحسنات، ثمّ تأتي الرِدَّة فيحبط عمله فيكون عندهم دائماً في حال الغضب وأشباه ذلك.

وهذا خلاف ما دلَّتْ عليه الأدلة كما ذكرت لك في قوله: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} ، «أُحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ، وأشباه هذه الأدلة.

إذاً فعند الكلابية، وهو الذي ذهب إليه الأشعرية والماتريدية أنَّ صفة الغضب والرضا ونحوها من الصفات أنها صفات قديمة ذاتية، يعني أنها لا تتعلق بمشيئةٍ ولا إرادةٍ ولا قدرة بل هي قديمة، غَضِبَ وانْتَهَى ورَضِيَ وانتهى وليس ثَمَّ شيء يتجدّد بتعلقه بالآحاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015