[المسألة الخامسة] :
إذا كان الله جل جلاله يستجيب الدُّعَاء ويقضي الحاجة ويُعطِي السَّائل، فإنَّ مما ينبغي على العبد أن يَتَأَدَّبَ به أن يُعِدَّ للدّعاء عُدَّتَه وأن يجتهد في حُسْنِ المسألة.
ولهذا أَحْسَنَ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أيَّما إحسان إذْ أرشد الأمة إلى قوله (إني لا أحمل هَمَّ الإجابة ولكن أحملُ هَمَّ الدعاء، فإذا وُفِّقْتُ للدعاء جاءت الإجابة) (?) .
وهذا من أعظم الكلام الذي قاله عمر رضي الله عنه ومن أحْسَنِهِ لأنّه لا يُدَلُّ عليه في بيانه ولا في تصويره لهذه المسألة من كلام الصحابة بمثله.
لهذا ينبغي على العبد إذا أراد أن يدعو أن يَعْلَمْ أنَّهُ إنَّمَا يدعو مالك الملك الذي خَلَقْ، الذي هذه {الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] ، الذي {عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] ، الذي {يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] ، الذي {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] ، الذي يَطَّلِعُ على خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
لهذا ينبغي على العبد المؤمن أن يُعِدَّ للدعاء عُدَّتَه كما قال عمر رضي الله عنه (إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل همّ الدعاء، فإذا وُفِّقْتُ للدعاء جاءت الإجابة) .
لهذا يَحْسُنْ بالداعي أن يجتهد في دعائه وأن يُحَضِّرَ له، أن يَسْتَعِدَّ في تحسينه لأنه سيدعو ويرفع يديه لله جل وعلا، وخاصَّةً إذا كان الدعاء في موقع من مواقع العبادة العظيمة كحال السجود إذا لم يَدْعُ بما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو جوامع الكلم في الدعاء فإنَّهُ لا بُدَّ أن يستعد ولا يدعو بإثم أو يجتهد فيتساهل في هذا الأمر.
كذلك في موقع خطبة الجمعة، فإنّه ينبغي له أن يُعِدَّ العُدّة فيما يدعو به إذا دعا بشيءٍ لم يُؤْثَرْ.
وكذلك في صلاته في قنوته كل ليلة أو في سجوده أو في صلاة التراويح من الأئمة الذين يقنتون بالناس فإنّهم ينبغي لهم أن يعلموا أنَّ إجابة الدعاء منوطةٌ بِحُسْنِ الدعاء، فمن أحسن الدعاء رُجِيَ له الإجابة، أما أنَّهُ يدعو بما خَطَرَ على باله ويَتَعَدَّى في ذلك وهو ليس بِمُحْسِنْ ويأتي بكلامٍ كثير ربما يكون فيه إعتداء في الدعاء وهو لا يشعر فيأثم ويأثم من خلفه وربما لم تُستَجَبْ دعواتهم بعموم أنواع الإستجابة التي ذكرنا، فهذا مما ينبغي التَّنَكُبْ عنه والبُعْد عنه.
لهذا هذه المسألة عظيمة، فالدعاء أَثَرْ من آثار الإيمان وبه تُسْتَمْطَرُ الرحمات من الرب ?، ولهذا أَعِدُّوا له عُدَّتَهْ ولا يكن المرء مُستغنيَاً عن فضل الله ?.
لابد من: الإلحاح في الدعاء، الإضطرار، في أوقات الإجابة.
كلّ أحد له حاجة، فإذا أَحْسَنَ السؤال جاءت الإجابة.
أسأل الله ? أن يجعلني وإياكم ممن تُجَابُ دعواتهم وتُغْفَرَ زلَّاتُهُم، إنه سبحانه جواد كريم.