رأى الطريق البعيد الذي ما يمكن أن يظن المشركون أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يسير فيه، واستأجر رجلاً هاديا خريتاً يقال له ابن أرقد لِيَدُلَّ على هذا الطريق البعيد، ثُمَّ بعد ذلك أيضاً مع هذا الطريق أَمَرَ راعي الغنم أن يمشي على أثره هو وأبو بكر والذي معهم حتى لا ينظروا إلى الأقدام، واختبؤوا في غار.
هذه الأشياء التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وواجبٌ عليه أن يفعلها؛ لأنَّ الله أَمَرَ باتخاذ الأسباب.
وقف المشركون على رأس الغار.
يقول أبو بكر رضي الله عنه لو أَبْصَرَ أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا.
الآن الأشياء التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ويتحقق بها قَدَرُ السلامة، فعلها أو لم يفعلها؟
فعلها.
لكنها هل نَفَعَت؟
لم تنفع، فالمشركون وقفوا على رأس الغار، أقرب شيء؛ لكن بَقِيَ لو أبصر أحدهم موضع قدمه لرأهما، لم يقدر أحد أن يُنْزِلْ عينيه إلى أسفل، هذا ليس من جهة فعل العبد.
ولهذا المعتزلة في ضلالهم لمَّا جعلوا العبد يخلق فعل نفسه فقط، وهو الذي يتصرّف في نفسه، في مثل هذا لا يستطيعون تفسيره.
كيف هو لم يستطع أن يُنْزِلَ رقبته تحت؟
كأنَّ في رقابهم غُلاًّ يمنعهم من النظر، وهم عدد ما فيهم أحد ينظر أسفل ولو بالغلط؟؟
إذاً هذا فِعْلْ شيء لا يملكه العبد.
لهذا المؤمن ينظر في باب الاستطاعة وباب الأفعال إلى ما يفعله هو وما يُكْرِمُهُ الله - عز وجل - به.
ولهذا {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} .