[المسألة الثالثة] :
قوله (لَا يُبْطِلُهُمَا شَيْءٌ وَلَا يَنْقُضُهُمَا) يعني لا يُبْطِلُ الحج شيء من معصية الولاة ولا ينقض الحج والجهاد مع ولاة الأمر شيء من فجورهم أو نَقْصِهِمْ؛ لأنَّ هذه من العبادات العظيمة فلا تبطل بمخالفة المرء على نفسه؛ بل يجب القيام بها الحج مع المسلمين والجهاد مع المؤمنين بأمرٍ عام.
وهذا الأصل الذي ذُكِر -تذكرونها في أول الكلام- مضى عليه هَدْيُ الصحابة رضوان الله عليهم، فقد حَجَّ عدد من الصحابة أو حَجَّ الصحابة في عهد بعض ولاة بني أمية وكان فيهم من النقص ما فيهم؛ بل أُمِّرَّ الحجاج بن يوسف الثقفي على الحجيج من قبل والي بني أمية -والحجاج معروف بسفكه للدماء وظلمه وعدوانه وعدم رعايته للعلماء ولا لنفوس المؤمنين- مع ذلك أُمِّرَّ على الحج، وكان عالم الحج ابن عمر رضي الله عنه -لأنه كان هدي السلف أن يكون ثَمَّ أمير وثَمَّ عالم يفتي الناس-، فكان ابن عمر هو الذي يُفْتِي الناس، وقيل للحجاج لا تعمل شيئاً من أمور الحج إلا بأمر ابن عمر -يعني في مناسك الحج-، فحج معه ابن عمر وصلى وراءه في حجة الوداع -يوم عرفة أتاه عند زوال الشمس وقال: أُخرج، قال: أفي هذه الساعة يا أبا عبد الرحمن؟ قال: نعم سنة أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فخرج فخطب الناس ثم صلى بهم الظهر والعصر، وكان ممن صلى خلفه ابن عمر وطوائف من الصحابة وسادات التابعين (?) .
فهذا الأصل كثير عند السلف كانوا يفعلونه، وتَلَقَوهُ جيلاً بعد جيل في مُضِيِّ الحج والجهاد مع ولاة الأمر مهما كانت مرتبتهم؛ لأنَّ ذلك فيه إعلام للدين وإعانة على الحق والهدى.