الأسئلة:

س1/ يقول ذَكَرْتَ أنَّ لفظ (أهل السنة والجماعة) صار عَلَمًا على من اقتدى بالصحابة، وذكرت أنَّ هذا اللفظ يُرَادُ به أهل الحديث والأثر، ألا ترى أنَّ هذه الألفاظ مُحْدَثَةْ ليست على نهج الله، فقد قال الله تعالى {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ} [الحج:78] ، فلماذا لا نلتزم بهذا المصطلح القرآني حتى وإنْ صارَ عَلَمَاً على طائفة معينة؟ فلماذا لا نلتزم به ونترك غيرها من المصطلحات الحادثة؟ وجزاكم الله خيرا.

ج/ أولاً قبل الدخول في الجواب استعمال لفظ (المصطلح القرآني) هذا استعمال حادث -والأخ عنده يعني رغبة في الاتِّبَاع-، لفظ المصطلح القرآني أو المصطلحات القرآنية هذه من الألفاظ الحادثة التي مرت قرون الإسلام ولا تعرف هذا اللفظ، وهذا لأنَّ كلمة (المصطلح) تعني اصطلاح، والاصطلاح هو أنْ يكون هناك من اصطلح مع غيره على هذه التسمية.

والله - عز وجل - أنزل القرآن بلسانٍ عربيٍ مبين، فإذاً العلماء يقولون: الدِّلالات القرآنية، الألفاظ القرآنية، المعاني، الآيات، ونحو ذلك مما هو مُسْتَعْمَلْ عند السلف.

أما ما جرى السؤال عليه، فالتأصيل الذي ذكره صحيح، والتطبيق قاصر.

أمَّا التأصيل فهو صواب؛ في أنَّهُ لا يُحدَثُ ألفاظ وأسماء يُجْمَعْ الناس عليها ويَتَعَصَّبُونَ لها، وهي ليست من الألفاظ الشّرعية؛ لأن َّهذا نوع من الفُرْقَةْ والخلاف والافتراق.

ولهذا قال العلماء: الله - عز وجل - سَمَّى أتباع محمد صلى الله عليه وسلم مسلمين ومؤمنين، وَسَّمى منهم المهاجرين، وسَمَّى منهم الأنصار، وسَمَّى منهم الأعراب، وسَمَّى منهم إلى آخره، وهذه التسميات لأجل مجيئها في القرآن فهي شرعية، وهذه التسميات الشرعية إذا تُعُصِّبَ لها مع أنَّهَا شرعية صارت مذمومةً حاشا اسم الإسلام والإيمان.

لهذا لما قام رجل من المهاجرين لأجل خلاف وقال: يا للمهاجرين. ينتخي بهم، وقام غلام من الأنصار فقال: يا للأنصار. ينتخي بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» (?) لم؟

لأنَّ النخوة هنا والتَّعَصُّبْ صار لطائفةْ من المؤمنين وللفظٍ ليس هو لفظ الإسلام والإيمان أو المسلمين والمؤمنين فصار هذا مُحْدِثَاً للتفرق، ولهذا قال (أبدعوى الجاهلية) ؛ لأنَّ الجاهلية هم الذين ينتخون ويتعصبون للأسماء دون غيرهم.

فكذلك الأسماء المحدَثَة في الأمة إذا تُعُصِّبَ لها دون غيرها فإنه يكون ذلك مردوداً على أصحابه، مثلاً اسم الحنابلة، اسم الشافعية، اسم المالكية، اسم السعوديين، اسم المصريين، اسم الشرقيين المغاربة الشُّوام إلى آخره، هذه أسماء إذا كانت في الأمَّة لأجل التعريف فإنَّ هذا الأمر فيه واسع؛ لكن إن كان ثَمَّ تَعَصُّبْ عليها وذم لما خالفها لأجل الاسم، أن يمدح الشافعية لأجل أنهم شافعية، أو يذم الحنابلة لأنهم ليسوا بشافعية، أو العكس فإنّ هذا من التعصُّبْ المذموم، وهو من التفرق والأخذ بالشعارات أو الأسماء التي لم يُدُلَّ عليها الدليل.

إذا تَبَيَّنَ هذا الأصل وهو ما ذكره السائل جزاه الله خيرا في سؤاله، فإنَّ لفظ السنة والجماعة لفظان شرعيان قد ثبتا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» (?) ، وسنَّتُهُ هي سنته وسنة الخلفاء الراشدين هي ما كان عليه الجماعة في وقت الخلفاء الراشدين، وفي الجماعة قال صلى الله عليه وسلم في الفِرَقْ «كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة» ، فالله - عز وجل - أَمَرَ باتِّبَاعِ نبيه صلى الله عليه وسلم فقال {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7] ، مطلقاً في كل مسألة {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] ، مطلقاً في كل مسألة يعني الأخذ بالسنة.

فإذاً الأصل باتباع السنة واتباع الجماعة والثناء على اتباع السنة والثناء على الالتزام بالجماعة، هذا الأصل موجود في النصوص.

جاء في أواخر زمن الصحابة، في عهد عثمان وفي عهد علي رضي الله عنه بدأ خروج أهل الأهواء، وأهل الأهواء وهم الخوارج مثلاً في أول الأمر ثُمَّ الشيعة ثم المرجئة ثم القدرية، هؤلاء أهل الأهواء صارت لهم هذه الأسماء وهم مسلمون لا نُكَفِّرُهُمْ؛ لكن ليسوا آخذين بكل الحق فصار الاسم الذي سُمُّوا به عَلَمًا لهم على ترك بعض الحق والافتراق.

فإذاً تَبَقَّى الطائفة الأولى التي كانت مواصلة للمأمور به من السنة والجماعة يبقون يُقَابَلُونْ، إن قلنا هؤلاء -أعني من مشى على الطريق ولزم السنة والجماعة- هؤلاء هم المسلمون، فماذا نسمي الآخرين؟

نقول: هؤلاء هم المسلمون أيضاً، إذاً لم يَصِرْ فرقاً بين السنة والبدعة وما بين الاتباع والمخالفة ولا ما بين الخارجي والصحابي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015