[المسألة الثانية: ذكر أقوال العلماء في الشهادة للمسلمين للجنس والمعين من المسلمين بالجنة والنار]

[المسألة الثانية] :

ذكرنا لك أنَّ أصل هذه العقيدة تعظيم صفات الله - عز وجل - وعدم الخوض في الأمور الغيبية، والعلماء في إعمالِ هذا الأصل في هذه المسألة لهم أقوال:

1- القول الأول: من قال: لا أشهد لأحدٍ ولا على أحدٍ مُطلقاً، وإنما نشهد للوصف للجنس دون المعين، فنقول: المؤمن في الجنة، والظالم في النار، والمؤمن المسدد في الجنة، ومرتكب الكبيرة متوَعَدْ بالنار، ونحو ذلك من ذكر الجنس والنوع دون ذكر المعين، إعمالاً منهم للأصل الذي ذكرنا، وأنَّ الحكم بالخاتمة أمرٌ غيبي لا ندري هل حصل الختام بالتوحيد أم لا.

2- القول الثاني: وهو قول جمهور أهل العلم وأئمة أهل الحديث والسنة والأثر أنَّ هذه المسألة غيبية فمجالها ومدارها على قاعدة الأمور الغيبية أنّه يُقْتَفَى فيها الدليل دون تجاوز للقرآن والحديث، فلا يُنَزَّلُ أحد جنة ولا نار إلا من أنزله الله - عز وجل - الجنة أو أنزله النار بدليلٍ من الكتاب أو من السنة، وسواءٌ في هذا النوع الوصف الجنس أو المعين.

فجاءت الشهادة لأبي بكر رضي الله عنه بأنه من أهل الجنة في القرآن، وجاءت الشهادة لأهل البيت بأنهم مُطَهَّرُون أيضا بالقرآن منهم علي رضي الله عنه وفاطمة وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم الذين قال الله - عز وجل - فيهم {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33] ونحو ذلك، وجاء في السنة الشهادة على مُعَيَّنِينَ من الصحابة بأنهم في الجنة كما في العشرة المبشرين بالجنة: الخلفاء الأربعة، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وسعد بن أبي وقاس، وسعيد بن زيد إلى آخره، وكذلك الشهادة لبلال رضي الله عنه، ونحو ذلك ممن جاء في الحديث أنه من أهل الجنة، وكذلك من شُهِدَ عليه بالنار ممن هو منتسب إلى القبلة مِما جاء في السنة فإننا نشهد عليه بالنار.

وهذا القول هو المراد بكلام الطحاوي هذا وهو قول جمهور أهل الحديث والسنة.

3- القول الثالث: فهو مثل القول الثاني؛ لكنه زاد عليه بأنَّ الشهادة المستفيضة للإنسان من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة أو أنه من أهل الوعيد فإنه يُشهَدُ للمعين أو يُشهَدُ عليه بالشهادة المستفيضة.

وهذا جاء رواية عن الإمام أحمد وعن غيره من الأئمة واختارها الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمهم الله تعالى، وقال (دلت السنة على هذا الأصل فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بجنازة فأثْنِيَ عليها خيراً فقال «وجبت» ، ثم مُرَّ بجنازة أخرى فأثنى الصحابة عليها شراَ، فقال «وجبت» ، قالوا يا رسول الله ما وجبت؟ قال «تلك أثنيتم عليها خيرا فوجبت لها الجنة، وهذه أثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه» (?) ، وأيضاً جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار» قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال «بالثناء الحسن وبالثناء السيئ» (?) .

فيدخل في هذا القول المعرُوفون الذين شُهِدَ لهم بقدم الصدق من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك من شُهِدَ له من أئمة الإسلام بهذا المقام كالإمام مالك مثلاً والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم ونحوهم من أئمة الإسلام.

* والأظهر هو القول الثاني وهو قول الجمهور؛ لأنّ الشهادة بالاستفاضة هذه الدليل يتقاصر على أنْ يُشهَدَ له مطلقاً، ولكن يكون الرجاء فيه أعظم، ولهذا في الحديث الأول قال «وجبت» ، فدلَّ على أنَّ شهادتهم له في مقام الشفاعة له لأنه قال «أثنيتم عليها خيرا فوجبت» فدل على أنَّ الوجوب له بالجنة مترتب على الثناء عليه بالخير، وليس الثناء عليه بالخير نتيجة وإنما هو سبب لوجوب الجنة، فكأنه في مقام الشفاعة له والدعاء له، وليس هذا مطلقاً.

والحديث الثاني أيضا يُحْمَلْ على هذا بأنه في مقام الشفاعة والدعاء له، بالإضافة إلى أنّ القول الأول هو قول الأكثر من أئمة أهل الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015