[المسألة العاشرة] :
قال (وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى أَهْلَ مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ فِي الدَّارَيْنِ كَأَهْلِ نُكْرَتِهِ الَّذِينَ خَابُوا مِنْ هِدَايَتِهِ، وَلَمْ يَنَالُوا مِنْ وَلَايَتِهِ) هذه الجملة يُذَكِّرُ بها الطحاوي رحمه الله كُلَّ من أَنْعَمَ الله - عز وجل - عليه بنعمة أن يتذكَّرْ بأنه أُنْعِمَ عليه وتُفُضِّلَ عليه وأُحْسِنَ إليه ومَنَّ الله - عز وجل - عليه بهذه النعمة، فالذي عَصَى الله - عز وجل - وعفا الله عنه أو عَذَّبَهُ ثم أنجاه، هذا كله من آثار تولي الله - عز وجل - لأهل الإيمان.
وهذا يدل على أنَّ وَلاية الله - عز وجل - لعباده المؤمنين تتبعض ليست كاملة، فإنَّ وَلايَة الله - عز وجل - -وهي محبته لعبده ومودته له ونُصرتُه له وتوفيقه ونحو ذلك- لا يكون جملةً واحدة؛ إما أن يأتي في المعيّن وإما أن يزول كقول الوعيدية، بل يجتمع في حق المعين في الدنيا والآخرة أنه محبوبٌ من جهة ومُبغَضٌ من جهة، مُتولاً من جهة ومخذول من جهة أخرى.
وهذا هو الذي أراده في أنَّ أهل الكبائر في اعتقاد أهل السنة والجماعة لا يَخْلُون من نوع وَلايَةِ لله - عز وجل - لهم، فالله - عز وجل - (تَوَلَّى أَهْلَ مَعْرِفَتِهِ) يعني أهل توحيده، (وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ فِي الدَّارَيْنِ) في الدنيا والآخرة (كَأَهْلِ نُكْرَتِهِ) ؛ يعني أهل الكفر الذين {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل:83] ؛ بل لهم نصيب من وَلايَةِ الله - عز وجل -.
فوَلايَةُ الله وهي محبَتُهُ ونُصرَتُهُ في حق المُعيَّن من أهل القبلة تتبعَّض، يعني تكون في فلان أعظم منها في فلان، فالمؤمن المًسَدَّد الذي كَمَّلَ إيمانه بحسب استطاعته له من وَلايَةِ الله - عز وجل - الولاية الكاملة التي تناسب مقامه في الإيمان، والذي يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً له نصيب من محبة الله - عز وجل - ووَلايَتِهِ ونُصرَتِهِ بحسب ما عنده من الإيمان.
فإذاً في حق المُعَيَّنْ حتى من أهل الكبائر يجتمع فيه وَلَايَة من جهة وخُذلان من جهة أخرى، وهذا هو معتقد السلف وأهل السنة والجماعة في هذه المسألة العظيمة.