والنبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ أنه يأمُرُ بالإيمان «آمركم بالإيمان بالله وحده» (?) ، والله - عز وجل - أمر بالإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء:136] . فالإيمان مأمور به، وتفاصيل الإيمان بالاتفاق بين أهل السنة وبين مرجئة الفقهاء يَدْخُلُ شُعَبْ الإيمان، يَدْخُلُ فيها الأعمال الصالحة؛ لكنها تَدْخُلُ في المُسَمَّى من جهة كونها مأموراً بها، فمن امتثل الأمر على الإجمال والتفصيل فقد حَقَّقَ الإيمان، وإذا لم يمتثل الأمر على الإجمال والتفصيل فإنه بعموم الأوامر لا يدخل في الإيمان.
وهذه يكون فيها النظر مُشْكِلَاً من جهة:
هل يُتصوَّرْ أن يوجد أحد يؤمن بالإيمان، يؤمن بما أنزل الله - عز وجل - ولا يفعل خيراً البتة، لا يفعل خيراً قط، لا يمتثل واجباً ولا ينتهي عن محرم مع اتساع الزمن وإمكانه؟؟
في الحقيقة هذا لا يُتَصَوَّرْ أن يكون أحد يقول أنا مؤمن ويكون إيمانه صحيحاً ولا يعمل صالحاً مع إمكانه، لا يعمل أي جنس من الطاعات خوفا من الله - عز وجل -، ولا ينتهي عن أي معصية خوفا من الله - عز وجل -، هذا لا يُتصَوَّرْ.
ولهذا حقيقةً المسألَةُ تَرْجِعُ إلى الإيمان بالأمر، الأمر بالإيمان في القرآن وفي السنة كيف يؤمن به؟ كيف يحققه؟
يحقق الإيمان بعمَلٍ، بِجِنْسِ العمل الذي يمتثل به، فَرَجَعَ إذاً أن يكون الامتثال داخل في حقيقة الإيمان بأمره، وإلا فإنه حينئذ لا يكون فرقاً بين من يعمل ومن لا يعمل.
لهذا نقول إن الإيمان الحق بالنص، بالدليل يعني بالكتاب والسنة بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبكتابه لابد له من امتثال، وهذا الامتثال لا يُتَصَوَّرُ أن يكون غير موجودٍ للمؤمن، أن يكون مؤمن ممكن أن يعمل ولا يعمل البتة.
وإذا كان كذلك، كان إذاً جزءاً من الإيمان لـ:
- أولا لدخوله في تركيبه.
- والثاني أنه لا يُتَصَوَّرْ في الامتثال للإيمان والإيمان بالأمر أن يؤمن ولا يعمل البتة.
إذاً فتحَصَّلْ من هذه الجهة أنّ الخلاف ليس صورياً من كل جهة؛ بل ثَمَّ جهة فيه تكون لفظية، وثَمَّ جهة فيه تكون معنوية.
والجهات المعنوية والخلاف المعنوي كثيرة متنوّعة، لهذا قد ترى من كلام بعض الأئمة من يقول أنَّ الخلاف بين مرجئة الفقهاء وبين أهل السنة صوري؛ لأنهم يقولون العمل شرط زائد لا يدخل في المسمى، وأهل السنة يقولون لا هو داخل في المسمى فيكون إذاً الخلاف صوري.
من قال الخلاف صوري فلا يُظَنْ أنَّهُ يقول به في كل صُوَرِ الخلاف، وإنما يقول به من جهة النظر إلى التكفير وإلى ترتب الأحكام على من لم يعمل.
أما من جهة الأمر، من جهة الآيات والأحاديث والاعتقاد بها والإيقان بالامتثال فهذا لابد أن يكون الخلاف حينئذ حقيقياً.